للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

آطَامِ الْيَهُودِ إلَّا أُوقِدَتْ عَلَيْهِ نَارٌ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْيَهُودِ يُوقِدُونَ النَّارَ بِاللَّيْلِ عِنْدَ الْفَزَعِ. قَالَ ابْنُ سُنَيْنَةَ، يَهُودِيٌّ مِنْ يَهُودِ بَنِي حَارِثَةَ: إنِّي أَجِدُ رِيحَ دَمٍ بِيَثْرِبَ مَسْفُوحٍ. وَذُكِرَ فِي الْمَغَازِي أَنَّهُ كَانَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مِقْدَارَ فَرْسَخٍ. قَالَ: وَقَدْ أَصَابَ بَعْضُ الْقَوْمِ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ بِسَيْفٍ وَهُمْ يَضْرِبُونَ كَعْبًا فَكَلَمَهُ فِي رِجْلِهِ، أَيْ جَرَحَهُ، فَلَمَّا فَرَغُوا مِنْهُ خَرَجُوا يَشْتَدُّونَ حَتَّى أَخَذُوا عَلَى بَنِي أُمَيَّةَ، ثُمَّ عَلَى بَنِي قُرَيْظَةَ، ثُمَّ عَلَى بُعَاثَ. حَتَّى إذَا كَانُوا بِحَرَّةِ الْعَرِيضِ - وَهَذِهِ أَسْمَاءُ الْمَوَاضِعِ - نَزَفَ الْحَارِثُ الدَّمَ، يَعْنِي كَثُرَ سَيَلَانُ الدَّمِ مِنْ جِرَاحَتِهِ فَعَطَفُوا عَلَيْهِ، أَيْ رَحِمُوهُ أَوْ حَمَلُوهُ عَلَى أَعْنَاقِهِمْ حَتَّى أَتَوْا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. فَلَمَّا أَتَوْا الْبَقِيعَ كَبَّرُوا وَقَدْ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تِلْكَ اللَّيْلَةَ يُصَلِّي. فَلَمَّا سَمِعَ تَكْبِيرَهُمْ عَرَفَ أَنَّهُمْ قَتَلُوهُ. ثُمَّ أَتَوْا بِصَاحِبِهِمْ الْحَارِثَ بْنَ أَوْسٍ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَتَفَلَ عَلَى جُرْحِهِ فَلَمْ يُؤْذِهِ. وَأَخْبَرُوهُ بِخَبَرِ عَدُوِّ اللَّهِ، ثُمَّ رَجَعُوا إلَى أَهْلِهِمْ. فَلَمَّا أَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: مَنْ ظَفِرْتُمْ بِهِ مِنْ رِجَالِ يَهُودَ فَاقْتُلُوهُ.

وَإِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ لِئَلَّا يَتَجَمَّعُوا فِي كُلِّ مَوْضِعٍ لِلتَّحَدُّثِ بِمَا جَرَى وَالتَّدْبِيرِ فِيهِ، وَهَذَا مِنْ الْحَزْمِ وَالسِّيَاسَةِ.

<<  <   >  >>