للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَإِنْ نَادَوْهُمْ بِلِسَانٍ لَا يَعْرِفُهُ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَذَلِكَ مَعْرُوفٌ لِلْمُسْلِمِينَ، فَهُمْ آمِنُونَ أَيْضًا. لِأَنَّ مَعْرِفَتَهُمْ لِذَلِكَ حَقِيقَةً أَمْرٌ بَاطِنًا لَا يُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِهِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِالسَّبَبِ الظَّاهِرِ الدَّالِّ عَلَيْهِ وَهُوَ إسْمَاعُهُمْ كَلِمَةَ الْأَمَانِ. وَهَذَا أَصْلٌ كَبِيرٌ فِي الْفِقْهِ. وَلِهَذَا شَرَطْنَا الْإِسْمَاعَ حَتَّى إذَا كَانُوا بِالْبُعْدِ مِنْهُمْ عَلَى وَجْهٍ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ ذَلِكَ أَمَانًا، لِأَنَّ هَذَا ظَاهِرٌ يُمْكِنُ الْوُقُوفُ عَلَيْهِ، فَيُمْكِنُ تَعْلِيقُ الْحُكْمِ بِحَقِيقَتِهِ. ثُمَّ لَعَلَّهُ كَانَ فِيهِمْ تُرْجُمَانٌ يَعْرِفُ مَعْنَى نِدَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَيُوقِفُهُمْ عَلَى ذَلِكَ. فَلَوْ لَمْ يَثْبُتْ الْأَمَانُ بِهِ كَانَ نَوْعَ غَدْرٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. وَالتَّحَرُّزُ عَنْ صُورَةِ الْغَدْرِ وَاجِبٌ. يُوَضِّحُ الْفَرْقَ أَنَّهُمْ إذَا لَمْ يَفْهَمُوا فَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ بِمَعْنًى مِنْ الْمُسْلِمِينَ حَيْثُ نَادَوْهُمْ بِلُغَةٍ لَا يَعْرِفُونَهَا، فَلَا يَبْطُلُ بِهِ حُكْمُ الْأَمَانِ فِي حَقِّهِمْ.

٣٧٤ - فَأَمَّا إذَا كَانُوا بِالْبُعْدِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِحَيْثُ لَا يَسْمَعُونَ كَلَامَهُمْ. فَإِنَّهُمْ لَمْ يَقِفُوا عَلَى مَقَالَةِ الْمُسْلِمِينَ لِمَعْنًى مِنْ جِهَتِهِمْ وَهُوَ أَنَّهُمْ لَمْ يَقْرَبُوا مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَلِهَذَا: لَا يَثْبُتُ حُكْمُ الْأَمَانِ لَهُمْ.

- قَالَ: وَإِذَا قَالَ الْمُسْلِمُونَ لِلْحَرْبِيِّ: أَنْتَ آمِنٌ، أَوْ لَا تَخَفْ أَوْ لَا بَأْسَ عَلَيْك، أَوْ كَلِمَةً تُشْبِهُ هَذَا، فَهُوَ كُلُّهُ أَمَانٌ. لِأَنَّهُ إنَّمَا يُخَاطَبُ الْخَائِفُ بِمِثْلِ هَذِهِ الْعِبَارَاتِ لِإِزَالَةِ الْخَوْفِ عَادَةً. وَإِنَّمَا يَزُولُ عَنْهُ الْخَوْفُ بِثُبُوتِ الْأَمَانِ. وَكُلُّ مُسْلِمٍ يَمْلِكُ إنْشَاءَ الْأَمَانِ لَهُ فَيُجْعَلُ بِهَذَا اللَّفْظِ مُنْشِئًا، كَمَنْ يَقُولُ لِعَبْدِهِ: أَعْتَقْتُك، أَوْ أَنْتَ حُرٌّ، يُجْعَلُ مُنْشِئًا عِتْقَهُ بِمَا وَصَفَهُ

<<  <   >  >>