- ثُمَّ ذَكَرَ أَمَانَ مُخْتَلَطِ الْعَقْلِ إذَا كَانَ يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَيَصِفُهُ وَهُوَ فِي ذَلِكَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي يَعْقِلُ كَمَا فِي أَصْلِ الْإِيمَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا الْخِلَافَ فِي أَمَانِ الصَّبِيِّ فَكَذَلِكَ مُخْتَلَطُ الْعَقْلِ (٧٣ ب) .
٣٧٧ - فَإِنْ كَانَ لَا يَعْقِلُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَصِفُهُ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ. لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ الَّذِي لَا يَعْقِلُ. وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا فِي أَمْرِ مَعِيشَتِهِ إلَّا أَنَّهُ بَالِغٌ لَا يَصِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَعْقِلُهُ فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُرْتَدِّ، وَالْمُرْتَدُّ لَا يَجُوزُ أَمَانُهُ، بِخِلَافِ الصَّبِيِّ فَإِنَّهُ مُسْلِمٌ تَبَعًا لِأَبَوَيْهِ أَوْ لِأَحَدِهِمَا. وَإِنْ كَانَ لَا يَصِفُ الْإِسْلَامَ وَلَا يَعْقِلُهُ فَإِذَا كَانَ بِحَيْثُ يَعْقِلُ الْأَمَانَ صَحَّ أَمَانُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ.
٣٧٨ - قَالَ: وَإِنْ أَمَرَ أَمِيرُ الْعَسْكَرِ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُؤَمِّنَهُمْ، أَوْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ رَجُلٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فَأَمَّنَهُمْ فَهُوَ جَائِزٌ. لِأَنَّ الْأَمِيرَ يَمْلِكُ مُبَاشَرَةَ الْأَمَانِ بِنَفْسِهِ، فَيَمْلِكُ الذِّمِّيُّ بَعْدَ أَمْرِهِ إيَّاهُ بِذَلِكَ. وَهَذَا لِأَنَّ أَمَانَ الذِّمِّيِّ إنَّمَا لَا يَصِحُّ لِتُهْمَةِ مَيْلِهِ إلَيْهِمْ اعْتِقَادًا، وَيَزُولُ ذَلِكَ إذَا أَمَرَهُ الْمُسْلِمُ بِهِ. وَيَتَبَيَّنُ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِ إيَّاهُ أَنَّ فِي أَمَانِهِ مَعْنَى النَّظَرِ لِلْمُسْلِمِينَ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا أَمَرَهُ بِالْقِتَالِ، لِأَنَّهُ بِأَمْرِهِ إيَّاهُ بِالْقِتَالِ لَا يَتَعَيَّنُ مَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ فِي الْأَمَانِ، فَلَوْ تَعَيَّنَ ذَلِكَ إنَّمَا يَتَعَيَّنُ بِرَأْيِ الْكَافِرِ وَهُوَ مُتَّهَمٌ فِي ذَلِكَ، فَإِذَا أَمَرَهُ بِالْأَمَانِ يَتَعَيَّنُ بِهَذَا الْأَمْرِ مَعْنَى الْخَيْرِيَّةِ فِي الْأَمَانِ بِرَأْيِ الْمُسْلِمِ وَلَا تُهْمَةَ فِي ذَلِكَ. ثُمَّ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ لَهُ: أَمِّنْهُمْ، أَوْ يَقُولَ: قُلْ لَهُمْ إنَّ فُلَانًا الْمُسْلِمَ يُؤَمِّنُكُمْ. وَكُلُّ وَجْهٍ مِنْ ذَلِكَ عَلَى وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَقُولَ الذِّمِّيُّ لَهُمْ: قَدْ أَمَّنْتُكُمْ، أَوْ يَقُولَ: إنْ فُلَانًا الْمُسْلِمَ قَدْ أَمَّنَكُمْ. فَأَمَّا إذَا قَالَ لَهُ الْمُسْلِمُ: أَمِّنْهُمْ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute