للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَسَوَاءٌ قَالَ لَهُمْ أَمَّنْتُكُمْ أَوْ أَمَّنَكُمْ فُلَانٌ، فَهُمْ آمِنُونَ. لِأَنَّهُ صَارَ مَالِكًا لِلْأَمَانِ بِهَذَا الْأَمْرِ، فَيَكُونُ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مُسْلِمٍ آخَرَ، وَالْمُسْلِمُ إذَا قَالَ لَهُمْ: أَمَّنْتُكُمْ أَوْ أَمَّنَكُمْ فُلَانٌ كَانُوا آمِنِينَ فِي الْوَجْهَيْنِ، لِأَنَّهُ أَضَافَ الْأَمَانَ إلَى مَنْ يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ، فَيَكُونُ ذَلِكَ إخْبَارًا مِنْهُ بِأَمَانٍ صَحِيحٍ، فَيُجْعَلُ فِي حُكْمِ الْإِنْشَاءِ لِرَفْعِ الْغَدْرِ. فَإِنْ كَانَ الْمُسْلِمُ قَالَ لَهُ: قُلْ لَهُمْ إنَّ فُلَانًا أَمَّنَكُمْ، فَإِنْ كَانَ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ فَهُمْ آمِنُونَ، لِأَنَّهُ جَعَلَهُ رَسُولًا إلَيْهِمْ، وَقَدْ أَدَّى الرِّسَالَةَ عَلَى وَجْهِهَا. فَيَكُونُ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ كَتَبَ إلَيْهِمْ كِتَابَ الْأَمَانِ، وَبَعَثَ بِهِ عَلَى يَدِهِ. فَإِذَا بَلَغَهُمْ كَانُوا آمِنِينَ. وَإِنْ قَالَ لَهُمْ: أَمَّنْتُكُمْ. فَهَذَا بَاطِلٌ لِأَنَّهُ خَالَفَ مَا أَمَرَ بِهِ، لِأَنَّهُ أُمِرَ بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ، وَهَذَا لَا يَتَضَمَّنُ تَمْلِيكَ الْأَمَانِ مِنْهُ. فَإِذَا قَالَ: أَمَّنْتُكُمْ فَهَذَا لَيْسَ بِتَبْلِيغٍ لِلرِّسَالَةِ وَلَكِنَّهُ إنْشَاءُ عَقْدٍ مِنْهُ مُضَافٍ إلَى نَفْسِهِ، وَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِهِ فَيَكُونُ بَاطِلًا.

- قَالَ: وَالْأَسِيرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ إذَا أَمَّنَهُمْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ (٧٤ آ) عَلَى غَيْرِهِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ. لِأَنَّ أَمَانَهُ لَا يَقَعُ بِصِفَةِ النَّظَرِ مِنْهُ لِلْمُسْلِمِينَ بَلْ لِنَفْسِهِ، حَتَّى يَتَخَلَّصَ مِنْهُمْ. وَلِأَنَّ الْأَسِيرَ خَائِفٌ عَلَى نَفْسِهِ. وَإِنَّمَا يُؤَمِّنُ غَيْرَهُ مَنْ يَكُونُ آمِنًا فِي نَفْسِهِ. وَلِأَنَّهُمْ آمِنُونَ مِنْهُ لِكَوْنِهِ مَقْهُورًا فِي أَيْدِيهِمْ. فَعَقْدُهُ يَكُونُ عَلَى الْغَيْرِ ابْتِدَاءً، وَقَلَّ مَا تَخْلُو دَارُهُمْ عَنْ أَسِيرٍ. فَلَوْ صَحَّحْنَا أَمَانَهُ انْسَدَّ بَابُ الْقِتَالِ عَلَيْنَا. فَإِنَّهُمْ كُلَّمَا حَزَبَهُمْ خَوْفٌ أَمَرُوا الْأَسِيرَ حَتَّى يُؤَمِّنَهُمْ. وَالْقَوْلُ بِهَذَا فَاسِدٌ. إلَّا أَنَّهُ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُ إنْ أَمَّنُوهُ وَأَمَّنَهُمْ فَيَنْبَغِي أَنْ يَفِيَ لَهُمْ كَمَا يَفُونَ لَهُ، وَلَا يَسْرِقُ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَّهَمٍ فِي حَقِّ نَفْسِهِ. وَقَدْ شَرَطَ أَنْ يَفِيَ لَهُمْ فَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الْمُسْتَأْمَنِ فِي دَارِهِمْ.

<<  <   >  >>