للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَكَذَلِكَ فِيمَا سَبَقَ. وَلَوْ لَمْ يَصْحَبْهُ دَلِيلٌ وَلَا كِتَابٌ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ فَهُوَ فَيْءٌ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ، لِأَنَّهُ تَمَكَّنَ مِنْ أَخْذِهِ بِقُوَّةِ الْمُسْلِمِينَ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ مَنْ وُجِدَ فِي عَسْكَرِ الْمُسْلِمِينَ فِي دَارِ الْحَرْبِ فَأَخَذَهُ وَاحِدٌ، إلَّا أَنَّ هُنَاكَ يَجِبُ (٧٧ آ) فِيهِ الْخُمُسُ فِيهِ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. وَفِي هَذَا الْفَصْلِ رِوَايَتَانِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي إيجَابِ الْخُمُسِ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ هُوَ فَيْءٌ لِمَنْ أَخَذَهُ، لِأَنَّهُ مُبَاحٌ فِي دَارِنَا. فَمَنْ سَبَقَتْ يَدُهُ إلَيْهِ يَكُونُ مُحْرَزًا لَهُ مُخْتَصًّا بِمِلْكِهِ كَالصَّيْدِ وَالْحَشِيشِ. وَفِي إيجَابِ الْخُمُسِ فِيهِ رِوَايَتَانِ عَنْ مُحَمَّدٍ أَيْضًا. وَالْحَاصِلُ أَنَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يَصِيرُ هُوَ مَقْهُورًا لِمَنْعِهِ الدَّارَ مَأْخُوذًا، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يُوجَدَ كَانَ فَيْئًا، بِمَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ يُسْلِمُ بَعْدَ الْأَخْذِ قَبْلَ أَنْ يَضْرِبَ الْإِمَامُ عَلَيْهِ الرِّقَّ. وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَصِيرُ مَأْخُوذًا بِالدَّارِ مَا لَمْ يَأْخُذْهُ مُسْلِمٌ، حَتَّى لَوْ أَسْلَمَ كَانَ حُرًّا. لِأَنَّ الْإِحْرَازَ فِي الْحَقِيقَةِ يَكُونُ بِالْيَدِ لَا بِالدَّارِ، وَلِهَذَا لَوْ رَجَعَ إلَى دَارِهِ قَبْلَ أَنْ يُؤْخَذَ كَانَ حُرَّ الْأَصْلِ، فَإِذَا أَخَذَهُ إنْسَانٌ كَانَ مُخْتَصًّا بِمِلْكِهِ، لِاخْتِصَاصِهِ بِإِحْرَازِهِ. فَإِنْ قَالَ: إنِّي أَمَّنْته قَبْلَ أَنْ آخُذَهُ فَهُوَ آمِنٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، لِأَنَّهُ فِي الظَّاهِرِ عَبْدٌ لَهُ. وَقَدْ أَقَرَّ بِحُرِّيَّتِهِ، وَلَا تُهْمَةَ فِي إقْرَارِهِ. وَيَنْبَغِي فِي قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنْ لَا يَكُونَ مُصَدَّقًا فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ فِيهِ لِجَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ. وَهُوَ غَيْرُ مُصَدَّقٍ فِي إبْطَالِ حَقِّهِمْ، وَإِنْ لَمْ يُؤْخَذْ بَعْدَ مَا أَسْلَمَ فِي دَارِنَا حَتَّى رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَهُوَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ. أَمَّا عَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فَلَا إشْكَالَ فِيهِ، لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَرْجِعْ كَانَ حُرًّا، فَكَذَلِكَ إذَا رَجَعَ. وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فَلِأَنَّهُ وَإِنْ صَارَ مَأْخُوذًا لَا يَصِيرُ رَقِيقًا مَا لَمْ يُضْرَبْ عَلَيْهِ الرِّقُّ. فَإِذَا رَجَعَ إلَى دَارِ الْحَرْبِ فَقَدْ انْعَدَمَ عَرْضِيَّةُ الِاسْتِرْقَاقِ فِيهِ، وَتَقَرَّرَ حُرِّيَّتُهُ فِي حَالِ إسْلَامِهِ، فَلَا يُسْتَرَقُّ بَعْدَ ذَلِكَ، بِمَنْزِلَةِ الْأَسِيرِ يُسْلِمُ وَيَنْقَلِبُ إلَى عَسْكَرِ أَهْلِ الْحَرْبِ، ثُمَّ يُؤْخَذُ بَعْدَ ذَلِكَ. فَكَمَا يَكُونُ حُرًّا هُنَاكَ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ فَكَذَلِكَ هَا هُنَا.

- وَإِذَا مَرَّ عَسْكَرُ الْمُسْلِمِينَ بِمَدِينَةٍ مِنْ مَدَائِنِ أَهْلِ الْحَرْبِ

<<  <   >  >>