وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ بِهِمْ طَاقَةٌ، فَأَرَادُوا أَنْ يَنْفُذُوا إلَى غَيْرِهِمْ، قَالَ لَهُمْ أَهْلُ الْمَدِينَةِ: أُعْطُونَا أَنْ لَا تَمُرُّوا فِي هَذَا الطَّرِيقِ عَلَى أَنْ لَا نَقْتُلَ مِنْكُمْ أَحَدًا وَلَا نَأْسِرَهُ. فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ خَيْرًا لِلْمُسْلِمِينَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطُوهُمْ ذَلِكَ وَيَأْخُذُوا فِي طَرِيقٍ آخَرَ، وَإِنْ كَانَ أَبْعَدَ وَأَشَقَّ. لِأَنَّهُمْ لَا يَأْمَنُونَ أَنْ يَتْبَعُوهُمْ فَيَقْتُلُوا الْوَاحِدَ وَالِاثْنَيْنِ مِمَّنْ فِي أُخْرَيَاتِ الْعَسْكَرِ. وَهَذِهِ الْمُوَادَعَةُ تُؤَمِّنُهُمْ مِنْ ذَلِكَ. وَقَدْ قَبِلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْمُوَادَعَةِ يَوْمَ الْحُدَيْبِيَةِ مِنْ الشَّرْطِ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ هَذَا. فَإِنَّ أَهْلَ مَكَّةَ شَرَطُوا عَلَيْهِ أَنْ يَرُدَّ عَلَيْهِمْ كُلَّ مَنْ أَتَى مُسْلِمًا مِنْهُمْ. وَوَفَى لَهُمْ بِهَذَا الشَّرْطِ، إلَى أَنْ انْتَسَخَ. لِأَنَّهُ كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ لِمَا كَانَ بَيْنَ أَهْلِ مَكَّةَ وَأَهْلِ خَيْبَرَ مِنْ الْمُوَاطَأَةِ عَلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذَا تَوَجَّهَ إلَى أَحَدِ الْفَرِيقَيْنِ أَغَارَ الْفَرِيقُ الْآخَرُ عَلَى الْمَدِينَةِ. فَوَادَعَ أَهْلَ مَكَّةَ حَتَّى يَأْمَنَ مِنْ جَانِبِهِمْ إذَا تَوَجَّهَ إلَى خَيْبَرَ. فَعَرَفْنَا (٧٧ ب) أَنَّ مِثْلَ هَذَا الشَّرْطِ لَا بَأْسَ بِقَبُولِهِ إذَا كَانَ فِيهِ نَظَرٌ لِلْمُسْلِمِينَ.
٤٠٤ - فَإِنْ قَبِلُوهُ ثُمَّ بَدَا لَهُمْ أَنْ يَمُرُّوا فِي ذَلِكَ الطَّرِيقِ فَلْيَنْبِذُوا إلَيْهِمْ وَيُعْلِمُوهُمْ بِذَلِكَ. لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمُوَادَعَةِ وَالْأَمَانِ، فَيَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ وَالتَّحَرُّزُ عَنْ الْغَدْرِ إلَى أَنْ يَنْبِذُوا إلَيْهِمْ.
٤٠٥ - فَإِنْ قَالَ الْمُسْلِمُونَ: إنَّ مَمَرَّنَا فِي هَذَا الطَّرِيقِ لَا يَضُرُّهُمْ شَيْئًا قِيلَ لَهُمْ: لَعَلَّ لَهُمْ فِي هَذَا الطَّرِيقِ زُرُوعًا وَنَخْلًا وَكَلَأً يَحْتَاجُونَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute