للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ كَلِمَةَ " كُلٍّ " تُوجِبُ الْإِحَاطَةَ عَلَى سَبِيلِ الِانْفِرَادِ. وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} [آل عمران: ١٨٥] . وَبِاعْتِبَارِ انْفِرَادِ اللَّفْظِ فِي حَقِّ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ لَا يَتَنَاوَلُ هَذَا اللَّفْظُ إلَّا أَوْلَادَ الرَّجُلِ الَّذِي لَهُ الِابْنُ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ، لِأَنَّ الْكَلِمَةَ هُنَاكَ لِلْإِحَاطَةِ عَلَى وَجْهِ الِاجْتِمَاعِ، وَالْإِخْوَةُ وَالْأَخَوَاتُ فِي هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْبَنِينَ وَالْبَنَاتِ.

٤٧٨ - وَلَوْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى آبَائِنَا، وَلَهُمْ آبَاءٌ وَأُمَّهَاتٌ، فَهُمْ آمِنُونَ جَمِيعًا. لِأَنَّ اسْمَ الْآبَاءِ يَتَنَاوَلُ الْآبَاءَ وَالْأُمَّهَاتِ. أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يُسَمَّيَانِ أَبَوَيْنِ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ} [النساء: ١١] وَكَذَلِكَ إنْ لَمْ يَكُنْ الْأَبُ مِنْهُمْ إلَّا لِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ. فَالْأُمَّهَاتُ وَالْأَبُ الَّذِي مَعَهُنَّ آمِنُونَ، لِأَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ لِلْكُلِّ اسْتِعْمَالًا عِنْدَ الِاخْتِلَاطِ.

٤٧٩ - وَلَوْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى أَبْنَائِنَا، وَلَهُمْ أَبْنَاءٌ وَأَبْنَاءُ أَبْنَاءٍ، فَالْأَمَانُ عَلَى الْفَرِيقَيْنِ جَمِيعًا اسْتِحْسَانًا. وَكَانَ يَنْبَغِي فِي الْقِيَاسِ أَنْ يَكُونَ الْأَمَانُ لِلْأَبْنَاءِ خَاصَّةً. لِأَنَّ الِاسْمَ حَقِيقَةٌ لِلْأَبْنَاءِ، مَجَازٌ فِي حَقِّ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ. وَلَا يُجْمَعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ فِي لَفْظٍ وَاحِدٍ. وَلِهَذَا جَعَلَ أَبُو حَنِيفَةَ الْوَصِيَّةَ لِلْأَبْنَاءِ خَاصَّةً بِهَذَا اللَّفْظِ. إلَّا إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ أَبْنَاءٌ، فَحِينَئِذٍ يَتَنَاوَلُ أَبْنَاءَ الْأَبْنَاءِ، لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَمَّا تَنَحَّتْ وَجَبَ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ بِطَرِيقِ الْمَجَازِ، وَلَكِنَّهُ اسْتَحْسَنَ هَا هُنَا فَقَالَ:

<<  <   >  >>