للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنَّمَا يَطْلُبُ الْأَمَانُ لِمَنْ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ، وَبِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ، وَهَذَا يُوجَدُ فِي أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ. فَيَصِيرُ ذَلِكَ شُبْهَةً يَثْبُتُ بِهِ الْأَمَانُ لَهُمْ بِخِلَافِ الْوَصِيَّةِ، فَإِنَّهَا لَا تُسْتَحَقُّ بِالصُّورَةِ وَالشُّبْهَةِ، ثُمَّ فِي إثْبَاتِ الْمُزَاحَمَةِ هُنَاكَ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ إدْخَالُ النَّقْصِ فِي نَصِيبِ الْأَبْنَاءِ. وَلَا يُوجَدُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْأَمَانِ. وَهَذَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ: لِذَوِي قَرَابَتِي. لِأَنَّ طَلَبَ الْأَمَانِ بِهَذَا اللَّفْظِ لِإِظْهَارِ الشَّفَقَةِ عَلَى مَا يُنْسَبُ إلَيْهِ بِالْبُنُوَّةِ. وَرُبَّمَا يَكُونُ ذَلِكَ فِي حَقِّ أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ أَظْهَرَ مِنْهُ فِي حَقِّ الْأَبْنَاءِ، عَلَى مَا قِيلَ: النَّافِلَةُ أَحَبُّ إلَى الْمَرْءِ مِنْ الْوَلَدِ. وَلَوْ كَانَ لِبَعْضِهِمْ أَبْنَاءٌ لِصُلْبِهِ، وَلِبَعْضِهِمْ أَبْنَاءُ أَبْنَاءٍ فَهُمْ آمِنُونَ جَمِيعًا لِمَا قُلْنَا.

٤٨١ - وَإِنْ قَالُوا: أَمِّنُونَا عَلَى أَبْنَائِنَا، وَلَيْسَ لَهُمْ آبَاءٌ وَلَهُمْ أَجْدَادٌ، فَلَيْسَ يَدْخُلُ الْأَجْدَادُ فِي ذَلِكَ. وَهَذَا الْفَصْلُ مُشْكِلٌ. فَإِنَّ اسْمَ الْأَبِ لَا يَتَنَاوَلُ الْجَدَّ حَقِيقَةً حَتَّى يَجُوزَ أَنْ يَنْفِيَ عَنْهُ بِإِثْبَاتِ غَيْرِهِ، فَيُقَالُ إنَّهُ جَدٌّ وَلَيْسَ بِأَبٍ، وَلَكِنْ يَتَنَاوَلُهُ مَجَازًا، أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ لِرَجُلٍ: أَيُّ أَبٍ لَك أَكْبَرُ؟ فَلَمْ يَفْهَمْ الرَّجُلُ مَا قَالَ: فَتَلَا ابْنُ عَبَّاسٍ قَوْله تَعَالَى: {يَا بَنِي آدَمَ} [الأعراف: ٣١] وَقَالَ: أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ مَنْ كُنْتَ ابْنَهُ فَهُوَ أَبُوك؟ فَبِاعْتِبَارِ هَذَا الْمَجَازِ، أَوْ بِاعْتِبَارِ الصُّورَةِ يَنْبَغِي أَنْ يَثْبُتَ الْأَمَانُ لَهُمْ كَمَا ذَكَرْنَا فِي أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ. وَلَكِنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا لِمَعْنًى آخَرَ فَقَالَ:

٤٨٢ - الْمَجَازُ تَبَعٌ لِلْحَقِيقَةِ. وَيُمْكِنُ تَحْقِيقُ هَذَا فِي أَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ. فَإِنَّهُمْ تَفَرَّعُوا مِنْ الْأَبْنَاءِ، فَكَانُوا تَبَعًا لَهُمْ، وَلَا يَأْتِي مِثْلُ ذَلِكَ فِي

<<  <   >  >>