لِأَنَّ الْكِتَابَ أَحَدُ اللِّسَانَيْنِ. فَإِنَّ الْبَيَانَ بِالْبَيَانِ كَهُوَ بِاللِّسَانِ. أَلَا تَرَى أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ مَأْمُورًا بِتَبْلِيغِ الرِّسَالَةِ ثُمَّ كَتَبَ إلَى الْآفَاقِ وَكَانَ ذَلِكَ تَبْلِيغًا مِنْهُ، وَلِأَنَّهُمْ لَمَّا وَقَفُوا عَلَى مَا فِي الْكِتَابِ نَزَلُوا عَلَى ذَلِكَ، فَلَوْ لَمْ يَجْعَلْ ذَلِكَ أَمَانًا لَأَدَّى إلَى الْغُرُورِ. وَقَدْ بَيَّنَّا فِيهِ حَدِيثَ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -.
٥٣٧ - وَإِنْ وَجَدُوا كِتَابًا فِيهِ أَمَانٌ لَمْ يَرْمِ بِهِ إلَيْهِمْ أَحَدٌ فَلَيْسَ هَذَا بِأَمَانٍ.
لِأَنَّ الْكِتَابَ جَمَادٌ لَا يُتَصَوَّرُ مِنْهُ الْأَمَانُ. وَإِنَّمَا يَكُونُ مِنْ الْكَاتِبِ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ. وَالْأَمَانُ مِنْ الْمَجْهُولِ لَا يَتَحَقَّقُ. ثُمَّ لَعَلَّ الْكِتَابَ مُفْتَعَلٌ، أَوْ كَتَبَهُ بَعْضُ مَنْ لَا يَصِحُّ أَمَانُهُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ. فَلِهَذَا لَا يَثْبُتُ الْأَمَانُ لَهُمْ حَتَّى يُعْلَمَ أَنَّ الرَّامِيَ بِهِ مُسْلِمٌ بِبَيِّنَةٍ تَقُومُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَلَى ذَلِكَ، لِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ قَدْ ثَبَتَ فِي اسْتِرْقَاقِهِمْ، وَهَذِهِ الْبَيِّنَةُ تَقُومُ لِإِبْطَالِ حَقِّهِمْ.
٥٣٨ - فَإِنْ قَالَ مُسْلِمٌ: أَنَا رَمَيْتُ بِهِ إلَيْهِمْ. فَإِنْ كَانَ قَالَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يَظْفَرَ بِهِمْ الْمُسْلِمُونَ، فَهُوَ مُصَدَّقٌ.
لِأَنَّهُ أَخْبَرَ بِمَا يَمْلِكُ إنْشَاءَهُ وَلَا تَتَمَكَّنُ التُّهْمَةُ فِي خَبَرِهِ. وَلِأَنَّ حَقَّ الْمُسْلِمِينَ لَمْ يَتَقَرَّرْ فِيهِمْ بَعْدُ، فَيَكُونُ تَأْثِيرُ كَلَامِهِ فِي مَنْعِ ثُبُوتِ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ فِيهِمْ، وَالْوَاحِدُ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَمْلِكُ ذَلِكَ.
٥٣٩ - وَإِنْ قَالَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا أَعْطَى الْقَوْمَ بِأَيْدِيهِمْ لَمْ يُصَدَّقْ عَلَى ذَلِكَ، حَتَّى يَشْهَدَ الشَّاهِدَانِ مِنْ الْمُسْلِمِينَ سِوَاهُ أَنَّهُ رَمَى إلَيْهِمْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute