للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: لَوْ وَجَدْت قَاتِلَ عُمَرَ فِي الْحَرَمِ مَا هِجْتُهُ.

وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ مِثْلَ ذَلِكَ، وَلَمْ يُقْتَلْ أَبُوهُ.

وَلَكِنْ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ الْمُبَالَغَةِ فِي النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ أَحَدٍ فِي الْحَرَمِ ابْتِدَاءً، وَكَمَا لَا يُقْتَلُ لَا يُؤْسَرُ لِأَنَّ فِيهِ إتْلَافَهُ حُكْمًا فَالْحُرِّيَّةُ حَيَاةٌ وَالرِّقُّ تَلَفٌ، وَحُكْمُ حُرْمَةِ الْحَرَمِ تَمْنَعُ مِنْ ذَلِكَ. أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّيْدَ كَمَا لَا يُقْتَلُ فِي الْحَرَمِ لَا يُتَمَلَّكُ بِالْأَخْذِ.

٥٥٤ - فَإِنْ أَسْلَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْرُجَ فَهُوَ حُرٌّ لَا سَبِيلَ عَلَيْهِ.

لِأَنَّهُ كَانَ آمِنًا حُرًّا مَا دَامَ فِي الْحَرَمِ. وَقَدْ تَأَكَّدَتْ حُرِّيَّتُهُ بِالْإِسْلَامِ.

وَإِنْ سَأَلَنَا أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً لَنَا فَإِنْ شِئْنَا أَعْطَيْنَاهُ ذَلِكَ وَإِنْ شِئْنَا لَمْ نُعْطِهِ.

لِأَنَّهُ مَأْخُوذٌ مُشْرِفٌ عَلَى الْهَلَاكِ. فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يَطْلُبُ عَقْدَ الذِّمَّةِ مُلْتَزِمًا لِأَحْكَامِنَا اخْتِيَارًا بَلْ اضْطِرَارًا، لِيَتَمَكَّنَ بِهِ مِنْ الْفِرَارِ. فَالرَّأْيُ إلَى الْإِمَامِ فِي إعْطَاءِ الذِّمَّةِ لَهُ، بِمَنْزِلَةِ الْمَأْسُورِ قَبْلَ ضَرْبِ الرِّقِّ عَلَيْهِ إذَا طَلَبَ أَنْ يَكُونَ ذِمَّةً.

٥٥٥ - وَإِنْ أَبَى أَنْ يُسْلِمَ وَجَعَلَ يَتَرَدَّدُ فِي الْحَرَمِ فَإِنَّهُ لَا يُجَالَسُ وَلَا يُطْعَمُ وَلَا يُبَايَعُ حَتَّى يَضْطَرَّ وَيَخْرُجَ.

لِأَنَّهُ بِسَبَبِ الْأَمْنِ الثَّابِتِ بِالْحَرَمِ يَتَعَذَّرُ عَلَيْنَا التَّعَرُّضُ لَهُ بِالْإِسَاءَةِ، وَلَا يَلْزَمُنَا الْإِحْسَانُ إلَيْهِ. فَإِنَّ مَنْعَ الْإِحْسَانِ لَا يَكُونُ إسَاءَةً، فَلِهَذَا لَا يَجِبُ قَبُولُ الذِّمَّةِ مِنْهُ إنْ طَلَبَ لِأَنَّ ذَلِكَ إحْسَانٌ إلَيْهِ.

<<  <   >  >>