عِبَارَتُهُ كَعِبَارَةِ الْأَمِيرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُرْسِلْهُ، وَلَا يُمْكِنُ تَصْحِيحُ الْأَمَانِ لَهُمْ مِنْ جِهَتِهِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ قَالَ آمَنْتُكُمْ لَا يَصِحُّ، فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَمَانُهُ بَاطِلًا. قُلْنَا: نَعَمْ. وَلَكِنْ حِينَ أُخْرِجَ الْكَلَامُ مَخْرَجَ الرِّسَالَةِ فَقَدْ تَحَقَّقَ مَعْنَى الْغُرُورِ، إذَا لَا طَرِيقَ إلَى الْوُقُوفِ عَلَى حَقِيقَةِ كَلَامِهِ أَنَّهُ صَادِقٌ فِي ذَلِكَ أَوْ كَاذِبٌ. وَإِذَا كَانَ عَقْلُهُ وَدِينُهُ يَدْعُوهُ إلَى الصِّدْقِ وَيَمْنَعُهُ مِنْ الْكَذِبِ وَسِعَهُمْ أَنْ يَعْتَمِدُوا عَلَى هَذَا الظَّاهِرِ، فَلَوْ لَمْ يَصِحَّ الْأَمَانُ أَدَّى إلَى الْغُرُورِ، بِخِلَافِ مَا إذَا أَضَافَ الْأَمَانَ إلَى نَفْسِهِ.
- فَإِنْ كَانَ الْأَمِيرُ قَالَ لَهُمْ: لَا أَمَانَ لَكُمْ إنْ آمَنَكُمْ مُسْلِمٌ أَوْ أَتَاكُمْ بِرِسَالَةٍ مِنِّي، حَتَّى آتِيكُمْ أَنَا فَأُؤَمِّنَكُمْ بِنَفْسِي، وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا فَهُمْ فَيْءٌ.
لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ النَّبْذِ لِكُلِّ أَمَانٍ إلَيْهِمْ إلَّا أَمَانًا يَسْمَعُونَهُ مِنْ لِسَانِهِ، وَلِأَنَّ دَفْعَ الضَّرَرِ عَنْ الْمُسْلِمِينَ وَاجِبٌ. وَلَا طَرِيقَ لِلْأَمِيرِ فِي دَفْعِ الضَّرَرِ عَنْهُمْ إلَّا مَا فَعَلَهُ مِنْ التَّقْدِمَةِ إلَيْهِمْ، فَلَوْ لَمْ يُصَحِّحْ ذَلِكَ أَدَّى إلَى أَنْ يَتَمَكَّنَ الْفَاسِقُ مِنْ إفْسَادِ الْجِهَادِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ، وَذَلِكَ لَا يَجُوزُ. إلَّا أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ إنْ كَانَ الْأَمِيرُ هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ إلَيْهِمْ لِيُبْلِغَهُمْ الْأَمَانَ فَفَعَلَ فَهُمْ آمِنُونَ. لِأَنَّ عِبَارَةَ الرَّسُولِ كَعِبَارَةِ الْمُرْسِلِ، فَكَأَنَّهُ آمَنَهُمْ بِنَفْسِهِ، وَهُوَ بِمَا تَقَدَّمَ إلَيْهِمْ قَصَدَ أَنْ يَمْنَعَهُمْ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى خَبَرِ مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ رَسُولٌ، كَاذِبًا، وَلَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ الِاعْتِمَادِ عَلَى خَبَرِ مَنْ يُرْسِلُهُ إلَيْهِمْ حَقِيقَةً، وَلِأَنَّهُ إنَّمَا أَبْطَلْنَا الْخَبَرَ إذَا كَانَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute