للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عِنْدَ التَّصْرِيحِ بِحَرْفِ الْبَاءِ الَّذِي يَصْحَبُ الْأَعْوَاضَ، وَهِيَ تَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ، فَإِذَا ذُكِرَ فِيهَا حَرْفُ الشَّرْطِ كَانَ مَحْمُولًا عَلَى الشَّرْطِ حَقِيقَةً. وَبِهَذَا الْفَصْلِ يَسْتَدِلُّ أَبُو حَنِيفَةَ فِيمَا إذَا قَالَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا: طَلِّقْنِي ثَلَاثًا عَلَى أَلْفِ دِرْهَمٍ. فَطَلَّقَهَا وَاحِدَةً، أَنَّهُ لَا يَجِبُ شَيْءٌ مِنْ الْمَالِ، بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَتْ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ.

لِأَنَّ الطَّلَاقَ يَحْتَمِلُ التَّعْلِيقَ بِالشَّرْطِ وَهُوَ لَيْسَ بِمُعَاوَضَةٍ، بِاعْتِبَارِ الْأَصْلِ فَيُفْصَلُ فِيهِ بَيْنَ حَرْفِ الْبَاءِ وَعَلَى كَمَا فِي الْأَمَانِ. وَلَكِنَّهُمَا قَالَا: الْخُلْعُ مُعَاوَضَةٌ. وَمَا هُوَ الْمَقْصُودُ لَهَا - وَهُوَ زَوَالُ مِلْكِهِ عَنْهَا - يَحْصُلُ بِالْوَاحِدَةِ. فَرَجَّحْنَا مَعْنَى الْمُعَاوَضَةِ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَمَانِ عَلَى مَا قَرَّرْنَا.

- وَلَوْ حَاصَرَ الْمُسْلِمُونَ حِصْنًا فَقَالَ أَمِيرَهُمْ لِأَهْلِ الْحِصْنِ: إنِّي لَعَلِّي أَنْ أُؤَمِّنَكُمْ، فَمَتَى آمَنْتُكُمْ فَأَمَانِي بَاطِلٌ. أَوْ قَالَ: فَلَا أَمَانَ لَكُمْ. أَوْ: فَقَدْ نَبَذْت إلَيْكُمْ. ثُمَّ آمَنَهُمْ، فَأَمَانُهُ بَاطِلٌ كَمَا قَالَ.

لِأَنَّهُ بَيَّنَ لَهُمْ عَلَى وَجْهٍ انْتَفَى شُبْهَةُ الْغُرُورِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَهُوَ بِمَا تَقَدَّمَ مِنْ الْكَلَامِ يَصِيرُ كَأَنَّهُ نَبَذَ إلَيْهِمْ الْأَمَانَ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ.

فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَمْ يَجْعَلْ إقْدَامَهُ عَلَى الْأَمَانِ رُجُوعًا عَنْ تِلْكَ الْمَقَالَةِ كَمَا فِي الْمَسْأَلَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ؟

قُلْنَا: هُنَاكَ فِي الْوَضْعِ زِيَادَةٌ هُوَ أَنَّهُ آمَنَهُمْ بَعْدَ مَقَالَتِهِ وَقَالَ: قَدْ أَبْطَلْت قَوْلِي لَكُمْ أَنَّهُ لَا أَمَانَ لَكُمْ. فَهَذَا الْبَيَانُ يُظْهِرُ أَنَّهُ رُجُوعٌ. فَأَمَّا هُنَا فَلَيْسَ فِي كَلَامِهِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ عَنْ الْمَقَالَةِ الْأُولَى بَلْ مَا يَدُلُّ عَلَى تَحْقِيقِهَا. أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لَهُمْ: إنِّي أُقَاتِلُ أَهْلَ هَذَا الْحِصْنِ مَعَكُمْ، وَقَدْ دَعَوْتهمْ إلَى أَنْ أُؤَمِّنَهُمْ فَلَمْ يُجِيبُونِي. فَأَنَا أُرِيدُ أَنْ أُظْهِرَ لَكُمْ الْأَمَانَ، لَعَلِّي (ص ١٩٦)

<<  <   >  >>