وَعَلَى قَوْلِ الشَّافِعِيِّ مَنْ قَتَلَ مُشْرِكًا عَلَى وَجْهِ الْمُبَارَزَةِ وَهُوَ مُقْبِلٌ غَيْرُ مُدْبِرٍ اسْتَحَقَّ سَلَبَهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ التَّنْفِيلُ مِنْ الْإِمَامِ. لِأَنَّ قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» لِنَصْبِ الشَّرْعِ. وَمِثْلُ هَذَا الْكَلَامِ فِي لِسَانِ صَاحِبِ الشَّرْعِ لِبَيَانِ السَّبَبِ كَقَوْلِهِ: «مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ» (ص ١٩٩) .
- وَلَكِنَّا نَقُولُ هَذَا لَوْ أَنْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هَذِهِ الْكَلِمَةَ بِالْمَدِينَةِ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ، وَلَمْ يُنْقَلْ أَنَّهُ قَالَ هَذَا إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ الْحَاجَةِ إلَى التَّحْرِيضِ. فَإِنَّ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ قَالَ: لَمْ يَبْلُغْنَا أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ فِي شَيْءٍ مِنْ مَغَازِيهِ «مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ» إلَّا يَوْمَ حُنَيْنٍ. وَذَلِكَ بَعْدَ مَا انْهَزَمَ الْمُسْلِمُونَ وَوَقَعَتْ الْحَاجَةُ إلَى تَحْرِيضِهِمْ لِيَكُرُّوا كَمَا قَالَ تَعَالَى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥] .
وَذَكَرَ مُحَمَّدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيُّ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ يَوْمَ بَدْرٍ أَيْضًا. وَقَدْ كَانَتْ الْحَاجَةُ إلَى التَّحْرِيضِ يَوْمَئِذٍ مَعْلُومَةً، فَإِنَّهُمْ كَانُوا كَمَا وَصَفَهُمْ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ} [آل عمران: ١٢٣] . فَعَرَفْنَا أَنَّهُ إنَّمَا قَالَ ذَلِكَ بِطَرِيقِ التَّنْفِيلِ لِلتَّحْرِيضِ. لَا بِطَرِيقِ نَصْبِ الشَّرْعِ وَأَيَّدَ مَا قُلْنَا مَا ذَكَرَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَقِيقٍ قَالَ: «كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُحَاصِرًا وَادِيَ الْقُرَى، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: مَا تَقُولُ فِي الْغَنَائِمِ؟
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute