للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ صَيَّرَهُ بِحَيْثُ لَا يَسْتَطِيعُ قِتَالًا وَلَا عَوْنًا بِيَدٍ وَيُعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَعِيشُ مَعَ مِثْلِ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ فَالسَّلَبُ لِلْأَوَّلِ، وَإِلَّا فَالسَّلَبُ لِلثَّانِي.

؛ لِأَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ مِنْ هَذَا التَّنْفِيلِ أَنْ يُظْهِرَ الْقَاتِلُ فَضْلَ جَزَاءٍ وَعَنَاءٍ بِقَتْلِ الْمُشْرِكِ. وَهَذَا إنَّمَا حَصَلَ مِنْ الْأَوَّلِ دُونَ الثَّانِي. لِأَنَّهُ إذَا صَارَ بِحَيْثُ لَا يُتَوَهَّمُ الْقِتَالُ مِنْهُ فَالثَّانِي لَا يَحْتَاجُ إلَى عَنَاءٍ وَقُوَّةٍ فِي حَزِّ رَأْسِهِ، وَإِنْ كَانَ يَتَحَامَلُ مَعَ تِلْكَ الْجِرَاحَةِ وَيُتَوَهَّمُ أَنْ يَعِيشَ وَيُقَاتِلَ فَقَدْ أَظْهَرَ الثَّانِي بِقَتْلِهِ الْعَنَاءَ وَالْقُوَّةَ فَيَكُونَ السَّلَبُ لَهُ.

أَلَا تَرَى أَنَّ الصَّيْدَ إذَا رَمَاهُ إنْسَانٌ فَأَثْخَنَهُ، ثُمَّ رَمَاهُ آخَرُ فَقَتَلَهُ كَانَ لِلْأَوَّلِ. وَلَوْ كَانَ يَتَحَامَلُ بَعْدَ رَمْيِ الْأَوَّلِ حَتَّى رَمَاهُ الثَّانِي فَهُوَ لِلثَّانِي. وَاسْتُدِلَّ عَلَى هَذَا بِحَدِيثِ مُحَمَّدِ بْنِ إبْرَاهِيمَ التَّيْمِيِّ.

- قَالَ: «قَطَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رِجْلَيْ مَرْحَبَ وَضَرَبَ عَلِيٌّ عُنُقَهُ. فَأَعْطَى النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَلَبَهُ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ» .

وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُمَا اخْتَصَمَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ مُحَمَّدٌ: وَاَللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا قَطَعْت رِجْلَيْهِ إلَّا وَأَنَا قَادِرٌ عَلَى قَتْلِهِ، وَلَكِنِّي أَرَدْت أَنْ يَذُوقَ مِنْ الْمَوْتِ مَا ذَاقَ أَخِي مَحْمُودٌ. وَكَانَ مَرْحَبُ قَدْ دَلَّى عَلَيْهِ حَجَرَ الرَّحَّاءِ. فَمَكَثَ ثَلَاثًا حَيًّا ثُمَّ مَاتَ. فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - (ص ٢٠٣) بِسَلَبِهِ لِمُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ. وَرُوِيَ أَنَّهُ لَمَّا قَطَعَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ رِجْلَيْهِ قَالَ مَرْحَبُ: أَجْهِزْ عَلَيَّ

<<  <   >  >>