وَلَوْ أَنَّ السَّرِيَّةَ جَاءَتْ بِغَنَائِمَ فِيهَا طَعَامٌ وَعَلَفٌ فَلِأَهْلِ الْعَسْكَرِ أَنْ يَأْكُلُوا ذَلِكَ بِقَدْرِ حَاجَتِهِمْ.
لِأَنَّهُمْ شُرَكَاءُ لِلسَّرِيَّةِ فِيهَا بِسِهَامِهِمْ.
فَكَمَا أَنَّ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْ أَهْلِ السَّرِيَّةِ أَنْ يَتَنَاوَلَ فِيهَا مِقْدَارَ حَاجَتِهِ فَكَذَلِكَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ أَنْ يَتَنَاوَلُوا.
لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَيْنَ ذَهَبَ قَوْلُكُمْ أَنَّ الْمُنَفَّلَ بِمَنْزِلَةِ الْغَنَائِمِ الْمُحْرَزَةِ. فَإِنَّ بَعْدَ الْإِحْرَازِ بِالدَّارِ لَيْسَ لِوَاحِدٍ مِنْ الْغَانِمِينَ أَنْ يَتَنَاوَلَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ وَلَا ضَمَانٍ. فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمُنَفَّلِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ كَذَلِكَ.
قُلْنَا: إنَّمَا افْتَرَقَا فِي هَذَا الْحُكْمِ؛ لِأَنَّ إبَاحَةَ التَّنَاوُلِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ قَبْلَ الْإِحْرَازِ، بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ شَرِكَةِ الْغَنِيمَةِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى أَنْ يَسْتَصْحِبُوا مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ مَا يَحْتَاجُونَ إلَيْهِ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ لِلذَّهَابِ وَالرُّجُوعِ، وَلَا يَجِدُونَ ذَلِكَ فِي دَارِ الْحَرْبِ شِرَاءً. وَمَا يَأْخُذُونَهُ يَكُونُ غَنِيمَةً. وَهَذِهِ الضَّرُورَةُ لَا تَتَحَقَّقُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ. فَإِذَا صَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ الشَّرِكَةِ بِاعْتِبَارِ هَذِهِ الضَّرُورَةِ بَقِيَ عَلَى أَصْلِ الْإِبَاحَةِ، بِمَنْزِلَةِ شِرَاءِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُتَفَاوِضَيْنِ الطَّعَامَ وَالْكِسْوَةَ لِنَفْسِهِ وَعِيَالِهِ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَثْنًى مِنْ مُوجِبِ الْمُفَاوَضَةِ لِضَرُورَةِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ. ثُمَّ هَذِهِ الضَّرُورَةُ تَتَحَقَّقُ فِي الْغَنَائِمِ الَّتِي فِيهَا نَفْلٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ كَمَا تَتَحَقَّقُ فِي الْغَنَائِمِ الَّتِي لَا نَفْلَ فِيهَا فَيَصِيرُ (ص ٢١٧) مُسْتَثْنًى مِنْ حُكْمِ النَّفْلِ أَيْضًا. وَلِهَذَا جَازَ لِأَصْحَابِ السَّرِيَّةِ التَّنَاوُلُ مِنْهَا، فَكَذَلِكَ لِغَيْرِهِمْ.
فَإِنْ قِيلَ: لَا كَذَلِكَ، فَإِنَّهُمْ إذَا قَسَمُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ أَوْ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ أَعْطَوْهُمْ النَّفَلَ مِنْ الطَّعَامِ وَالْعَلَفِ كَمَا أَعْطَوْهُمْ مِنْ سَائِرِ الْأَمْوَالِ، وَلَوْ صَارَ هَذَا مُسْتَثْنًى مِنْ التَّنْفِيلِ لَمَا اسْتَحَقَّ النَّفَلَ مِنْهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute