للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ مَا هُوَ الْمَقْصُودُ بِالتَّنْفِيلِ - وَهُوَ التَّحْرِيضُ - يَفُوتُ بِتَجْوِيزِ هَذَا. فَإِنَّ السَّرِيَّةَ لَا يَعْتَمِدُونَ ذَلِكَ التَّنْفِيلَ بَعْدَ مَا بَعُدُوا مِنْ الْإِمَامِ، إذْ كَانَ هُوَ مُتَمَكِّنًا مِنْ إبْطَالِهِ بِغَيْرِ عِلْمِهِمْ.

أَرَأَيْت لَوْ قَالَ لِأَهْلِ الْعَسْكَرِ بَعْدَ مَا مَضَتْ السَّرِيَّةُ الْأُولَى: قَدْ أَبْطَلْت نَفْلَهَا. كَانَ يَصِحُّ ذَلِكَ فِي حَقِّهِمْ قَبْلَ أَنْ يَعْلَمُوا بِهِ. فَكَمَا لَا يَصِحُّ مِنْهُ الْإِبْطَالُ فَكَذَلِكَ لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَحْوِيلُهُ إلَى السَّرِيَّةِ الثَّانِيَةِ قَبْلَ عِلْمِ السَّرِيَّةِ الْأُولَى بِهِ. وَلَوْ عَلِمُوا بِهِ صَحَّ ذَلِكَ كُلُّهُ، إبْطَالًا كَانَ ذَلِكَ أَوْ نَفْلًا إلَى غَيْرِهِ.

أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ: إنْ قَتَلْت هَذَا الْقَتِيلَ فَلَكَ سَلَبُهُ. فَلَمَّا خَرَجَ لِلْمُبَارَزَةِ قَالَ: قَدْ أَبْطَلْت نَفْلَهُ، لَمْ يَبْطُلْ ذَلِكَ مَا لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُبَارِزُ، فَكَذَلِكَ مَا سَبَقَ.

- وَلَوْ بَعَثَ أَمِيرُ الْمِصِّيصَةِ سَرِيَّةً مِنْهَا وَهِيَ اسْمُ بَلْدَةٍ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ فِي وَسَطِ الرُّومِ فَنَفَّلَ أَصْحَابَ الْخَيْلِ دُونَ الرَّجَّالَةِ.

لَمْ يَجُزْ.

لِأَنَّ هَذِهِ السَّرِيَّةَ مَبْعُوثَةٌ مِنْ دَارِ الْإِسْلَامِ. وَهَذَا تَنْفِيلٌ عَامٌّ. فَإِنَّ أَهْلَ السَّرِيَّةِ أَصْحَابُ الْخَيْلِ كُلُّهُمْ. وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ التَّنْفِيلَ الْعَامَّ فِي مِثْلِ هَذِهِ السَّرِيَّةِ لَا يَجُوزُ. لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إلَّا إبْطَالُ الْخُمُسِ وَتَفْضِيلُ الْفَارِسِ عَلَى الرَّاجِلِ.

- وَلَكِنَّهُ لَوْ أَرْسَلَ مَعَهُمْ قَوْمًا مِنْ أَصْحَابِ الْمَجَانِيقِ وَقَوْمًا يَحْضُرُونَ الْحِصْنَ فَنَفَّلَهُمْ شَيْئًا لِجَزَائِهِمْ وَعَنَائِهِمْ فَهَذَا جَائِزٌ.

<<  <   >  >>