أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الْمُخَاطَبِينَ. فَكَمَا يَعُمُّ جَمَاعَتَهُمْ يَعُمُّ جَمَاعَةَ الْمَقْتُولِينَ بِخِلَافِ الْأَوَّلِ. أَلَا تَرَى أَنَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ إذَا قَتَلَ عَشَرَةٌ مِنْ الْمُسْلِمِينَ عَشَرَةً مِنْهُمْ اسْتَحَقَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ سَلَبَ قَتِيلِهِ؟
فَكَذَلِكَ إذَا كَانَ الْوَاحِدُ هُوَ الْقَاتِلُ لِعَشَرَةٍ. وَحَقِيقَةُ مَعْنَى الْفَرْقِ أَنَّ مَقْصُودَ الْإِمَامِ هُنَا تَحْرِيضُهُمْ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي النِّكَايَةِ فِيهِ. وَفِي مَعْنَى النِّكَايَةِ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْقَاتِلُ لِلْعَشَرَةِ عَشَرَةً مِنْ الْمُسْلِمِينَ أَوْ وَاحِدًا مِنْهُمْ. وَفِي الْأَوَّلِ مَقْصُودُ مَعْرِفَةِ ذَلِكَ الرَّجُلِ وَجَلَادَتِهِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِدُونِ إثْبَاتِ مَعْنَى الْعُمُومِ فِي الْمَقْتُولِينَ.
- وَلَوْ قَالَ لِعَشَرَةٍ هُوَ أَحَدُهُمْ: مَنْ قَتَلَ مِنَّا قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. أَوْ إنْ قَتَلَ رَجُلٌ مِنَّا قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ. ثُمَّ قَتَلَ بِنَفْسِهِ قَتِيلَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةً، اسْتَحَقَّ أَسْلَابَهُمْ.
لِأَنَّ مَعْنَى التُّهْمَةِ قَدْ انْتَفَى بِاشْتِرَاكِ التِّسْعَةِ مَعَ نَفْسِهِ فِي الْإِيجَابِ، وَصَارَ كَلَامُهُ عَامًّا بِاعْتِبَارِ الْمَعْنَى الَّذِي قُلْنَا. فَيَسْتَحِقُّ هُوَ مِنْ سَلَبِ الْمَقْتُولِينَ مَا يَسْتَحِقُّهُ تِسْعَةٌ مَعَهُ إذَا قَتَلُوا.
- وَلَوْ قَالَ لِرَجُلٍ بِعَيْنِهِ: إنْ قَتَلْت قَتِيلًا فَلَكَ سَلَبُهُ. فَقَتَلَ قَتِيلَيْنِ مَعًا، فَلَهُ سَلَبُ أَحَدِهِمَا.
لِأَنَّ هَذَا الْإِيجَابَ لَا يَتَنَاوَلُ إلَّا الْوَاحِدَ، ثُمَّ يَخْتَارُ أَيَّ السَّلَبَيْنِ شَاءَ. لِأَنَّ الْحَقَّ ثَابِتٌ لَهُ، فَالْخِيَارُ فِي الْبَيَانِ إلَيْهِ. وَلَا يُقَالُ: كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْخِيَارُ إلَى الْإِمَامِ، لِأَنَّهُ هُوَ الْمُوجِبُ لَهُ. وَهَذَا لِأَنَّ مِثْلَ هَذَا الْكَلَامِ مِنْ الْإِمَامِ عَلَى وَجْهِ بَيَانِ السَّبَبِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْخِيَارُ لِمَنْ بَاشَرَ السَّبَبَ. وَأَكْثَرُ مَا فِيهِ أَنَّهُ يَخْتَارُ أَفْضَلَهُمَا سَلَبًا، وَلَوْ لَمْ يَقْتُلْ إلَّا ذَلِكَ الرَّجُلَ بِضَرْبَتِهِ كَانَ مُسْتَحِقًّا لِسَلَبِهِ. فَإِنْ قَتَلَ مَعَهُ غَيْرَهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَصِيرَ مَحْرُومًا، لِأَنَّهُ أَظْهَرَ زِيَادَةَ الْقُوَّةِ بِمَا صَنَعَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute