فِيهِ قَدِيمٌ وَهُوَ الِاغْتِنَامُ، فَيُقْسَمُ بَيْنَهُمْ. وَبِالْقِسْمَةِ يَتَعَيَّنُ الْمِلْكُ، فَمِنْ ضَرُورَتِهِ إبْطَالُ حَقِّ حُكْمِ التَّنْفِيلِ (ص ٢٢٨) فِيهِ. وَبَعْدَ مَا نَفَذَ الْحُكْمُ مِنْ الْإِمَامِ بِإِبْطَالِ التَّنْفِيلِ فِيهِ لَا يَسْتَحِقُّهُ بِالتَّنْفِيلِ وَإِنْ تَمَّ السَّبَبُ.
فَإِنْ قِيلَ: لِمَاذَا لَا تُؤَخَّرُ الْغَنِيمَةُ وَالْبَيْعُ فِي السَّلَبِ حَتَّى نَنْظُرَ إلَى مَاذَا يَئُولُ حَالُ الرَّجُلِ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُوجِبَ لِلْقِسْمَةِ وَهُوَ الِاغْتِنَامُ قَدِيمٌ فِيهِ، فَلَا يُؤَخَّرُ الْحُكْمُ الَّذِي يَثْبُتُ بِتَقْرِيرِ سَبَبِهِ لِأَجَلٍ مَوْهُومٍ.
أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَضْرُوبَ نَفْسَهُ يُقْسَمُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَكَيْفَ لَا يُقْسَمُ سَلَبُهُ؟ فَإِنْ قِيلَ: لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي نَفْسِهِ حَقٌّ مُنْتَظِرٌ لِأَحَدٍ، فَأَمَّا فِي السَّلَبِ فَحَقٌّ مُنْتَظِرٌ لِلْقَاتِلِ، فَقَدْ وُجِدَ سَبَبُهُ مِنْهُ. قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ السَّبَبَ لَا يَتِمُّ إلَّا بِمَوْتِ الْمَضْرُوبِ. ثُمَّ لَا يَتَأَخَّرُ قِسْمَةُ الْغَنِيمَةِ لِحَقٍّ أَقْوَى مِنْ هَذَا، وَهُوَ حَقُّ الْمَالِكِ الْقَدِيمِ فِي الْمَأْسُورِ، فَإِنَّهُ حَقٌّ ثَابِتٌ لَوْ جَاءَ قَبْلَ الْقِسْمَةِ أَخَذَهُ بِغَيْرِ شَيْءٍ. ثُمَّ لَا تُؤَخَّرُ الْقِسْمَةُ وَالْبَيْعُ لِحَقِّهِ؛ فَلَأَنْ لَا يُؤَخِّرَهَا هَهُنَا لِحَقِّ الضَّارِبِ، وَهُوَ غَيْرُ ثَابِتٍ فِي الْحَالِ، كَانَ أَوْلَى.
فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي إذَا مَاتَ الْمَضْرُوبُ بَعْدَ الْقِسْمَةِ أَنْ يَكُونَ لِلْقَاتِلِ حَقُّ أَخْذِ السَّلَبِ بِالْقِيمَةِ، كَمَا فِي الْمَأْسُورِ إذَا جَاءَ الْمَوْلَى بَعْدَ الْقِسْمَةِ. قُلْنَا: هُنَاكَ الْمِلْكُ كَانَ ثَابِتًا لِلْمَوْلَى فِي الْأَصْلِ فَيَتَمَكَّنُ مِنْ أَخْذِهِ بِالْقِيمَةِ عَلَى وَجْهِ الْفِدَاءِ لِذَلِكَ الْمِلْكِ، وَهَا هُنَا الْمِلْكُ لِلضَّارِبِ فِي السَّلَبِ لَمْ يَكُنْ ثَابِتًا قَطُّ لِيَفْدِيَهُ بِالْقِيمَةِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَثْبُتُ لَهُ الْحَقُّ ابْتِدَاءً بِسَبَبِ التَّنْفِيلِ إنْ لَوْ مَاتَ الْمَضْرُوبُ قَبْلَ الْقِسْمَةِ، فَأَمَّا بَعْدَ الْقِسْمَةِ فَلَا يُمْكِنُ إثْبَاتُ حَقِّهِ لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ. فَإِنَّمَا وِزَانُ هَذَا مِنْ الْمَأْسُورِ إنْ لَوْ خَرَجَ الْحَرْبِيُّ بِالْعَبْدِ إلَيْنَا بِأَمَانٍ ثُمَّ أَسْلَمَ، أَوْ بَاعَهُ مِنْ مُسْلِمٍ. وَهُنَاكَ لَا يَثْبُتُ لِلْمَوْلَى حَقُّ الْأَخْذِ مِنْهُ لِانْعِدَامِ مَحَلِّهِ، فَكَذَلِكَ حُكْمُ السَّلَبِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute