وَظَاهِرُ مَا يَقُولُ فِي الْكِتَابِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَبْلُغَ بِرَضْخِهِ سَهْمَ الْمُسْلِمِ إذَا كَانَ عَظِيمَ الْغَنَاءِ. وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَبْلُغُ بِهِ أَيْضًا وَلَكِنْ يَنْقُصُ بِقَدْرِ مَا يَرَاهُ الْإِمَامُ كَمَا لَا يَبْلُغُ بِقِيمَةِ الْعَبْدِ دِيَةَ الْحُرِّ.
فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ فِي التَّنْفِيلِ الْعَامِّ يُسَوَّى بَيْنَهُمَا فِي السَّلَبِ، وَرُبَّمَا يَكُونُ سَلَبُ قَتِيلِ الذِّمِّيِّ أَكْثَرَ قِيمَةً مِنْ سَهْمِ الْمُسْلِمِ فَلِمَاذَا لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَهُمَا أَوْ يَفْضُلَ الذِّمِّيُّ فِيمَا يُرْضَخُ لَهُ؟ قُلْنَا: لِأَنَّ اسْتِحْقَاقَ السَّلَبِ بَعْدَ التَّنْفِيلِ إمَّا أَنْ يَكُونَ بِالْقَتْلِ أَوْ بِالْإِيجَابِ مِنْ الْإِمَامِ. وَلَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا فِي ذَلِكَ. بِخِلَافِ اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ فَإِنَّهُ بِاعْتِبَارِ مَعْنَى الْكَرَامَةِ.
أَلَا تَرَى أَنَّ فِي الِاسْتِحْقَاقِ بِالتَّنْفِيلِ يُسَوَّى بَيْنَ الْفَارِسِ وَالرَّاجِلِ، وَذَلِكَ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ التَّسْوِيَةُ بَيْنَهُمَا فِي اسْتِحْقَاقِ الْغَنِيمَةِ. .
- وَلَوْ كَانَ الْأَمِيرُ قَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، فَسَمِعَ ذَلِكَ بَعْضُ النَّاسِ دُونَ الْبَعْضِ. ثُمَّ قَتَلَ رَجُلٌ قَتِيلًا فَلَهُ سَلَبُهُ، وَإِنْ لَمْ يَسْمَعْ مَقَالَةَ الْإِمَامِ.
لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي وُسْعِ الْإِمَامِ إسْمَاعُ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَإِنَّمَا فِي وُسْعِهِ أَنْ يَجْعَلَ الْخِطَابَ شَائِعًا وَقَدْ فَعَلَ. فَيَكُونُ هَذَا كَالْوَاصِلِ إلَى كُلِّ مَنْ تَنَاوَلَهُ الْخِطَابُ حُكْمًا.
أَلَا تَرَى «أَنَّ أَبَا قَتَادَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ قَتَلَ قَتِيلًا يَوْمَ حُنَيْنٍ قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ التَّنْفِيلَ، ثُمَّ أَعْطَاهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سَلَبَهُ» عَلَى مَا رَوَيْنَا.
وَلِأَنَّ سَمَاعَ الْخِطَابِ إنَّمَا يُشْتَرَطُ لِدَفْعِ الضَّرَرِ عَنْ الْمُخَاطَبِ وَفِي هَذَا مَحْضُ مَنْفَعَةٍ لَهُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute