- وَذَكَرَ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأَى رَجُلًا قَدْ عَقَلَ رَاحِلَتَهُ. فَقَالَ: مَا يَحْبِسُك؟ قَالَ: الْجُمُعَةُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ. قَالَ: الْجُمُعَةُ لَا تَحْبِسُ مُسَافِرًا، فَاذْهَبْ، فَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا بَأْسَ بِالْخُرُوجِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلْغَزْوِ أَوْ لِلْحَجِّ أَوْ لِسَفَرٍ آخَرَ بِخِلَافِ مَا يَقُولُهُ بَعْضُ النَّاسِ مِنْ الْمُتَقَشِّفَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ الْخُرُوجُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِلسَّفَرِ لِمَا فِيهِ مِنْ شُبْهَةِ الْفِرَارِ عَنْ أَدَاءِ الْجُمُعَةِ، لَكِنَّا نَقُولُ: الْخُرُوجُ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ جَائِزٌ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ، وَلَيْسَ فِيهِ فِرَارٌ عَنْ شَطْرِ الصَّلَاةِ. وَالْخُرُوجُ فِي رَمَضَانَ جَائِزٌ، فَقَدْ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ الْمَدِينَةِ إلَى مَكَّةَ لِلَيْلَتَيْنِ خَلَتَا مِنْ رَمَضَانَ» وَلَمْ يَكُنْ فِيهِ شُبْهَةُ الْفِرَارِ عَنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ. ثُمَّ لَا شَكَّ أَنَّ الْجُمُعَةَ غَيْرُ وَاجِبَةٍ عَلَيْهِ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَهُوَ مُسَافِرٌ بَعْدَ الزَّوَالِ. وَلَا جُمُعَةَ عَلَى الْمُسَافِرِ، فَكَيْفَ يَكُونُ سَفَرُهُ فِرَارًا عَنْ وَاجِبٍ عَلَيْهِ؟ .
وَكَمَا يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ قَبْلَ الزَّوَالِ يُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ بَعْدَ الزَّوَالِ عِنْدَنَا، خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ فِي وُجُوبِ أَدَاءِ الْعِبَادَاتِ الْمُؤَقَّتَةِ أَوَّلَ الْوَقْتِ. وَإِذَا كَانَ هُوَ مُقِيمًا فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ وَجَبَ عَلَيْهِ أَدَاءُ الْجُمُعَةِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ عِنْدَهُ. كَمَا يَجِبُ أَدَاءُ الظُّهْرِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ بِالسَّفَرِ عِنْدَهُ. فَأَمَّا عِنْدَنَا الْمُعْتَبَرُ آخَرُ الْوَقْتِ فِي حُكْمِ وُجُوبِ الْأَدَاءِ لَا عَلَى وَجْهٍ لَا يَتَغَيَّرُ. وَلِهَذَا لَوْ كَانَ مُسَافِرًا فِي آخِرِ الْوَقْتِ فِي سَائِرِ الْأَيَّامِ يَلْزَمُهُ صَلَاةُ السَّفَرِ. فَفِي هَذَا الْيَوْمِ إذَا كَانَ يَخْرُجُ مِنْ عُمْرَانِ مِصْرِهِ قَبْلَ خُرُوجِ وَقْتِ الظُّهْرِ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْجُمُعَةُ، وَلَا بَأْسَ لَهُ بِالْمُسَافَرَةِ لِمَا قَبْلَ الزَّوَالِ (٢٨ ب) . وَإِنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ حَتَّى يَمْضِيَ وَقْتُ الظُّهْرِ فَلْيَشْهَدْ الْجُمُعَةَ، لِأَنَّهَا تَلْزَمُ إذَا كَانَ فِي الْمِصْرِ فِي آخِرِ الْوَقْتِ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يَخْرُجَ قَبْلَ أَدَائِهَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute