وَفِي الْكِتَابِ يَقُولُ: لِأَنَّهَا فَرِيضَةٌ عَلَيْهِ. وَهَذَا التَّعْلِيلُ عَلَى أَصْلِ مُحَمَّدٍ، فَأَصْلُ الْفَرْضِ عِنْدَهُ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الْجُمُعَةُ. وَقَدْ بَيَّنَّا الِاخْتِلَافَ هَذَا فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. وَزُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا يَعْتَبِرُ آخِرَ الْوَقْتِ، وَإِنَّمَا يَعْتَبِرُ حَالَ تَضْيِيقِ الْوَقْتِ بِحَيْثُ لَا يَسَعُ لِأَدَاءِ الْجُمُعَةِ بِنَاءً عَلَى أَصْلِهِ أَنَّ السَّبَبِيَّةَ لِلْوُجُوبِ تَتَعَيَّنُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ حَتَّى لَا تَسَعُ التَّأْخِيرَ عَنْهُ. وَلِهَذَا قَالَ: لَا تَسْقُطُ الصَّلَاةُ بِاعْتِرَاضِ الْحَيْضِ بَعْدَ ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ مِصْرِهِ حَتَّى يَضِيقَ الْوَقْتُ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْهَدَ الْجُمُعَةَ.
قَالَ: وَكَانَ شَيْخُنَا الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَقُولُ: عِنْدِي فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ نَوْعُ إشْكَالٍ، وَهُوَ أَنَّ اعْتِبَارَ آخِرِ الْوَقْتِ إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِأَدَائِهِ وَهُوَ سَائِرُ الصَّلَوَاتِ، فَأَمَّا الْجُمُعَةُ لَا يَنْفَرِدُ هُوَ بِأَدَائِهَا بَلْ مَعَ الْإِمَامِ وَالنَّاسِ. فَيَنْبَغِي أَنْ يَعْتَبِرَ وَقْتَ أَدَائِهِمْ حَتَّى إذَا كَانَ لَا يَخْرُجُ مِنْ الْمِصْرِ قَبْلَ أَدَاءِ النَّاسِ الْجُمُعَةَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ شُهُودُ الْجُمُعَةِ. وَهَذِهِ الشُّبْهَةُ تَتَقَرَّرُ عَلَى أَصْلِ زُفَرَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنَّهُ يَعْتَبِرُ التَّمَكُّنَ مِنْ الْأَدَاءِ، وَلِهَذَا يُعَيِّنُ السَّبَبِيَّةَ فِي الْجُزْءِ الَّذِي يَتَضَيَّقُ عَقِيبَهُ وَقْتَ الْأَدَاءِ. فَأَمَّا عِنْدَنَا إنَّمَا تَتَعَيَّنُ السَّبَبِيَّةُ فِي آخِرِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَاءِ الْوَقْتِ.
٥٠ - قَالَ: وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «خَيْرُ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةٌ، وَخَيْرُ السَّرَايَا أَرْبَعُ مِائَةٍ، وَخَيْرُ الْجُيُوشِ أَرْبَعَةُ آلَافٍ، وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةِ إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute