قِيلَ: مَعْنَى قَوْلِهِ «خَيْرُ الْأَصْحَابِ أَرْبَعَةٌ» يَعْنِي خَيْرَ أَصْحَابِي، فَيَكُونُ إشَارَةً إلَى الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ أَنَّهُمْ خَيْرُ أَصْحَابِهِ.
وَقِيلَ: بَلْ الْمُرَادُ مَا هُوَ الظَّاهِرُ، وَهُوَ دَلِيلٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ الْجُمُعَةَ تَتَأَدَّى بِثَلَاثَةِ نَفَرٍ سِوَى الْإِمَامِ، لِأَنَّ خَيْرَ الْأَصْحَابِ مَا يَتَأَدَّى الْفَرْضُ بِمُعَاوَنَتِهِمْ. وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ السَّرِيَّةَ أَقَلُّ مِنْ الْجَيْشِ، وَإِنَّمَا سُمُّوا سَرِيَّةً لِأَنَّهُمْ يَسْرُونَ بِاللَّيْلِ وَيَكْمُنُونَ بِالنَّهَارِ لِقِلَّةِ عَدَدِهِمْ. وَسُمِّيَ الْجَيْشُ جَيْشًا لِأَنَّهُ يَجِيشُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ لِكَثْرَةِ عَدَدِهِمْ. وَلَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ مَا دُونَ الْأَرْبَعِ مِائَةٍ لَا يَكُونُ سَرِيَّةً، وَإِنَّمَا مُرَادُهُ أَنَّهُمْ إذَا بَلَغُوا أَرْبَعَ مِائَةٍ فَالظَّاهِرُ مِنْ حَالِهِمْ أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ مِنْ دَارِ الْحَرْبِ قَبْلَ نَيْلِ الْمُرَادِ.
وَقَوْلُهُ: «وَلَنْ يُغْلَبَ اثْنَا عَشْرَ أَلْفًا مِنْ قِلَّةٍ» ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِلْغُزَاةِ أَنْ يَنْهَزِمُوا وَإِنْ كَثُرَ الْعَدُوُّ وَإِذَا بَلَغُوا هَذَا الْمَبْلَغَ، لِأَنَّ مَنْ لَا يَغْلِبَ فَهُوَ غَالِبٌ وَلَكِنَّ هَذَا إذَا كَانَتْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً. فَقَدْ كَانَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ حُنَيْنٍ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفًا، ثُمَّ وَلَّوْا مُنْهَزِمِينَ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ} [التوبة: ٢٥] ، وَلَكِنْ لَمْ تَكُنْ كَلِمَتُهُمْ وَاحِدَةً، لِاخْتِلَاطِ الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ أَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ، وَلَمْ يَحْسُنْ إسْلَامُهُمْ بَعْدُ، فَأَمَّا عِنْدَ اتِّحَادِ الْكَلِمَةِ فَلَا يَحِلُّ لَهُمْ الْفِرَارُ، لِأَنَّهُمْ ثَلَاثَةُ جُيُوشٍ: أَرْبَعَةُ آلَافٍ عَلَى الْمَيْمَنَةِ، وَهُمْ خَيْرُ الْجُيُوشِ، وَمِثْلُ (٢٩ آ) ذَلِكَ فِي الْمَسِيرَةِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ فِي الْقَلْبِ. وَأَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ يُسَاوِي أَكْثَرَ الْجَمْعِ فِي الْحُكْمِ.
٥١ - وَذَكَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنَّهُ قَالَ: «خَيْرُ أُمَرَاءِ السَّرَايَا زَيْدُ بْنُ حَارِثَةَ أَقْسَمُهُ بِالسَّوِيَّةِ وَأَعْدَلُهُ فِي الرَّعِيَّةِ»
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute