وَزَيْدٌ هَذَا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -. فَقَدْ كَانَ لِخَدِيجَةَ وَهَبَتْهُ لِرَسُولِ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَأَعْتَقَهُ وَتَبَنَّاهُ إلَى أَنْ اُنْتُسِخَ حُكْمُ التَّبَنِّي فَهُوَ مَوْلَاهُ. وَفِيهِ نَزَلَ قَوْله تَعَالَى: {وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ} [الأحزاب: ٣٧]- أَيْ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِالْإِسْلَامِ وَأَنْعَمْت عَلَيْهِ بِالْإِعْتَاقِ - ثُمَّ أَمَّرَهُ رَسُولُ اللَّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى ثَمَانِي سَرَايَا، إلَى أَنْ قُتِلَ يَوْمَ مُؤْتَةَ، فَأَثْنَى عَلَيْهِ أَنَّهُ خَيْرُ الْأُمَرَاءِ، وَعُيِّنَ لِتَحْقِيقِ صِفَةِ الْخَيْرِيَّةِ هَاتَيْنِ الْخَصْلَتَيْنِ، لِأَنَّ أَمِيرَ السَّرِيَّةِ يَحْتَاجُ إلَيْهِمَا، وَهُوَ أَنْ يَعْتَبِرَ الْمُعَادَلَةَ فِي الْقِسْمَةِ بَيْنَهُمْ فِيمَا يَنَالُونَهُ، وَيُنْصِفُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِيمَا يَرْجِعُونَ إلَيْهِ. فَقَدْ فُوِّضَ ذَلِكَ إلَيْهِ. وَبَعْضُ النَّاسِ عَابُوا عَلَى مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِوَايَةِ هَذَا اللَّفْظِ، فَإِنَّ مِنْ حَقِّ الْكَلَامِ أَنْ يَقُولَ: «أَقْسَمُهُمْ بِالسَّوِيَّةِ وَأَعْدَلُهُمْ بِالرَّعِيَّةِ» . وَلَكِنَّا نَقُولُ: رَوَى مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْخَبَرَ بِهَذَا اللَّفْظِ فَدَلَّ عَلَى صِحَّةِ اسْتِعْمَالِهِ.
٥٢ - قَالَ: وَلَا بَأْسَ لِلْإِمَامِ أَنْ يَبْعَثَ الرَّجُلَ الْوَاحِدَ سَرِيَّةً أَوْ الِاثْنَيْنِ أَوْ الثَّلَاثَةَ إذَا كَانَ مُحْتَمِلًا لِذَلِكَ، لِمَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بَعَثَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ فِي بَعْضِ أَيَّامِ الْخَنْدَقِ سَرِيَّةً وَحْدَهُ. وَبَعَثَ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُنَيْسٍ سَرِيَّةً وَحْدَهُ، وَبَعَثَ دِحْيَةَ الْكَلْبِيَّ سَرِيَّةً وَحْدَهُ، وَبَعَثَ ابْنَ مَسْعُودٍ وَخَبَّابًا سَرِيَّةً» . وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَهَى أَنْ تُبْعَثَ سَرِيَّةٌ دُونَ ثَلَاثَةِ نَفَرٍ» تَأْوِيلُهُ مِنْ وَجْهَيْنِ: إمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِشْفَاقِ بِالْمُسْلِمِينَ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَكْرُوهًا فِي الدِّينِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute