للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

١٥٨٣ - وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ مَنْ يُقَاتِلُ مِنْ أَهْلِ الْحَرْبِ فَلَهُمْ الْأَجْرُ الْمُسَمَّى. لِأَنَّ حَفْرَ الْأَرْضِ (ص ٢٨٨) لَيْسَ مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ، فَيَسْتَوْجِبُ الْمُسْلِمُ الْأَجْرَ عَلَيْهِ كَمَا يَسْتَوْجِبُ الذِّمِّيُّ. وَهُوَ نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ تَخْرِيبِ الْمَلَاعِبِ وَالْكَنَائِسِ الْخَارِجَةِ عَنْ الْحِصْنِ بَعْدَ مَا صَارَتْ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ.

- وَكَذَلِكَ إنْ اسْتَأْجَرَهُمْ لِقَطْعِ الْأَشْجَارِ فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّقْسِيمِ.

لِأَنَّ مَا اُسْتُؤْجِرُوا عَلَيْهِ عَيْنَهُ لَيْسَ بِجِهَادٍ، وَإِنَّمَا يَصِيرُ فِي مَعْنَى الْجِهَادِ إذَا كَانَ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُك عَنْهُ حَتَّى يَحْتَاجَ إلَى أَنْ تُجَاهِدَهُ فِي إتْمَامِ ذَلِكَ الْعَمَلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يُنَابِذُك لَمْ يَكُنْ مِنْ الْجِهَادِ فِي شَيْءٍ.

- وَلَوْ اسْتَأْجَرَ قَوْمًا يَرْمُونَ بِالْمَنْجَنِيقِ. فَإِنْ كَانُوا مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ فَلَهُمْ الْأَجْرُ، وَإِنْ كَانُوا مُسْلِمِينَ أَحْرَارًا أَوْ عَبِيدًا فَلَا أَجْرَ لَهُمْ.

لِأَنَّ هَذَا مِنْ عَمَلِ الْجِهَادِ. فَالرَّمْيُ بِالْمَنْجَنِيقِ لِتَخْرِيبِ الْحِصْنِ الَّذِي هُمْ فِيهِ مُمْتَنِعُونَ، وَعَلَى الدَّفْعِ عَنْهُ يُقَاتِلُونَ، بِمَنْزِلَةِ الرَّمْيِ بِالسَّهْمِ لِإِصَابَةِ النُّفُوسِ. وَلَا يُقَالُ إنَّهُمْ يَرْمُونَ فِي مَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ، فَلَا يَكُونُ فِعْلُهُمْ جِهَادًا، لِأَنَّهُمْ وَإِنْ كَانُوا فِي مَنْعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَالرَّمْيَةُ وَقَعَتْ فِي مَنْعَةِ الْمُشْرِكِينَ، وَهُوَ الْمَقْصُودُ. فَإِنْ قِيلَ: فَفِي حَفْرِ النَّهْرِ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ مَنْ يَمْنَعُ، يُوجَدُ هَذَا الْمَعْنَى. لِأَنَّ الْمَاءَ يَسِيلُ فِي ذَلِكَ الْمَوْضِعِ حَتَّى يُغْرِقَهُمْ فِي مَنْعَتِهِمْ، كَمَا أَنَّ مَا يُرْمَى مِنْ الْمَنْجَنِيقِ يَذْهَبُ حَتَّى يُخَرِّبَ وَيَقْتُلَ فِي مَنْعَتِهِمْ. قُلْنَا: نَعَمْ. وَلَكِنَّ الْمَنْجَنِيقَ وَالسَّهْمَ عَمَلُ الْقَوْمِ بِأَيْدِيهِمْ، عَلَى مَعْنَى أَنَّ مَا يَحْصُلُ يَكُونُ مُضَافًا إلَيْهِ بِالْمُبَاشَرَةِ. وَأَمَّا الْغَرَقُ فَلَا يَصِيرُ مُضَافًا إلَى

<<  <   >  >>