للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لِأَنَّ ذَلِكَ الشَّرْطَ كَانَ عَلَى وَجْهِ التَّنْفِيلِ مِنْهُ، فَعَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِذَلِكَ، لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ» .

- وَلَوْ جُمِعَتْ الْغَنَائِمُ فَقَالَ الْأَمِيرُ: مَنْ أَخَذَ جُبْنَةً فَعَلَيْهِ ثَمَنُهَا دِرْهَمٌ، وَمَنْ أَخَذَ شَاةً فَعَلَيْهِ خَمْسَةُ دَرَاهِمَ، وَمَنْ أَخَذَ جَارِيَةً فَهِيَ لَهُ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ. فَأَخَذَ رَجُلٌ شَاةً فَذَبَحَهَا وَأَكَلَهَا، وَأَخَذَ آخَرُ جُبْنَةً فَأَكَلَهَا، وَأَخَذَ آخَرُ جَارِيَةً فَأَعْتَقَهَا. فَعَلَى كُلِّ وَاحِدٍ قِيمَةُ مَا أَخَذَهُ.

لِأَنَّ هَذَا الْكَلَامَ مِنْ الْأَمِيرِ لَيْسَ عَلَى وَجْهِ التَّنْفِيلِ، فَإِنَّ التَّنْفِيلَ بَعْدَ الْإِصَابَةِ لَا يَجُوزُ، وَلَكِنَّهُ عَلَى وَجْهِ الْبَيْعِ، وَهُوَ فَاسِدٌ لِجَهَالَةِ الْمَبِيعِ عِنْدَ الْعَقْدِ. فَكُلُّ مَنْ أَخَذَ شَيْئًا وَلَمْ يَسْتَهْلِكْهُ فَلِلْإِمَامِ أَنْ يَسْتَرِدَّهُ مِنْهُ، لِفَسَادِ الْبَيْعِ، أَوْ يُسَلِّمَهُ لَهُ بِذَلِكَ الثَّمَنِ بَيْعًا مُسْتَقْبَلًا إنْ رَضِيَ بِهِ الْمُشْتَرِي. لِأَنَّهُ بِأَخْذِهِ قَدْ تَعَيَّنَ، فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْهُ ابْتِدَاءً، وَلَكِنَّ ابْتِدَاءَ الْبَيْعِ يَعْتَمِدُ التَّرَاضِيَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ، وَإِنْ اسْتَهْلَكَهَا فَعَلَيْهِ ضَمَانُ الْقِيمَةِ، كَمَا هُوَ الْحُكْمُ فِي الْمُشْتَرَى شِرَاءً فَاسِدًا إذَا اسْتَهْلَكَهُ الْمُشْتَرِي بَعْدَ الْقَبْضِ. وَلِهَذَا نَفَذَ الْعِتْقُ فِي الْجَارِيَةِ لِأَنَّهُ قَبَضَهَا بِحُكْمِ بَيْعٍ فَاسِدٍ فَتَمَلَّكَهَا، حَتَّى لَوْ بَاعَهَا جَازَ الْبَيْعُ وَغَرِمَ قِيمَتَهَا. فَكَذَلِكَ إذَا أَعْتَقَهَا. فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَضْمَنُ الْقِيمَةَ وَهُوَ لَوْ أَكَلَ الْجُبْنَةَ أَوْ ذَبَحَ الشَّاةَ فَأَكَلَهَا قَبْلَ هَذَا كَانَ مُبَاحًا لَهُ؟ وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ ضَمَانٌ فِي ذَلِكَ. وَكَذَلِكَ لَوْ أَتْلَفَ الْجَارِيَةَ فِي دَارِ الْحَرْبِ لَمْ يَكُنْ ضَامِنًا شَيْئًا. قُلْنَا: لِأَنَّ قَبْلَ هَذَا الْكَلَامِ لَمْ يَتَأَكَّدْ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِيهَا. فَأَمَّا بَعْدَ هَذَا الْقَوْلِ فَقَدْ تَأَكَّدَ حَقُّ الْغَانِمِينَ فِيهَا، لِأَنَّ الْبَيْعَ الْفَاسِدَ مُعْتَبَرٌ بِالْجَائِزِ، وَبَيْعُ الْإِمَامِ الْغَنَائِمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ بِمَنْزِلَةِ الْإِحْرَازِ فِي تَأَكُّدِ حَقِّ الْغَانِمِينَ فِيهَا. يُوَضِّحُهُ أَنَّهُ قَدْ تَمَلَّكَ الْمَأْخُوذَ هَاهُنَا بِالْأَخْذِ بِجِهَةِ الْعَقْدِ، وَلِهَذَا لَوْ بَاعَهُ جَازَ بَيْعُهُ فِيهِ. وَالتَّمْلِيكُ بِعَقْدِ الْمُعَاوَضَةِ لَا يَكُونُ إلَّا بِعِوَضٍ، وَذَلِكَ بِالْقِيمَةِ

<<  <   >  >>