أَلَا تَرَى إلَى مَا رُوِيَ أَنَّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَتَبَ إلَى سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ: مَنْ وَافَاك مِنْ الْجُنْدِ مَا لَمْ تَتَفَقَّأْ الْقَتْلَى فَأَشْرِكْهُ فِي الْغَنِيمَةِ. أَيْ مَا لَمْ يَتَشَقَّقْ الْقَتْلَى بِتَطَاوُلِ الزَّمَانِ، أَوْ مَعْنَاهُ مَا لَمْ يَتَمَيَّزْ قَتْلَى الْمُشْرِكِينَ مِنْ قَتْلَى الْمُسْلِمِينَ بِالدَّفْنِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ: مَا لَمْ تُتَقَفَّا الْقَتْلَى، أَيْ تَجْعَلُهُمْ عَلَى قَفَاك بِالِانْصِرَافِ إلَى دَارِ الْإِسْلَامِ. وَالْأَشْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الْفَقْءَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّمْيِيزِ وَالتَّشَقُّقِ وَمِنْهُ سُمِّيَ الْفَقِيهُ. لِأَنَّهُ يُمَيِّزُ الصَّحِيحَ مِنْ السَّقِيمِ. وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
تَفْقَأَ فَوْقَهُ الْقَلَعُ السَّوَارِي ... وَجُنَّ الْخَازِبَازِ بِهِ جُنُونًا
وَذُكِرَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ حَزْمٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْهَمَ لِجَعْفَرِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَلِمَنْ مَعَهُ مِنْ أَهْلِ السَّفِينَتَ وَالدَّوْسِيِّينَ، فِيهِمْ أَبُو هُرَيْرَةَ وَالطُّفَيْلُ بْنُ عَمْرٍو مَعَ سُهْمَانِ أَهْلِ خَيْبَرَ. وَإِنَّمَا قَدِمُوا بَعْدَ فَتْحِ خَيْبَرَ. وَلَكِنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّمَ الْمُسْلِمِينَ فِي حُقُوقِهِمْ أَنْ يُدْخِلُوهُمْ، فَأَسْهَمَ لَهُمْ» . هَكَذَا رُوِيَ مُفَسَّرًا. وَفِي هَذَا بَيَانُ أَنَّ مَنْ لَحِقَ بَعْدَ الْفَتْحِ لَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِكَةٌ.
لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ شَرِيكًا مَا احْتَاجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَى أَنْ يَسْتَرْضِيَ الْمُسْلِمِينَ إلَى أَنْ يُسْهِمَ لَهُمْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute