قَالَ: وَلَيْسَ يَنْبَغِي لِلْإِمَامِ أَنْ يَمُنَّ عَلَى الْقَتِيلِ فَيَتْرُكَهُ وَلَا يَقْتُلُهُ وَلَا يَقْسِمُهُ.
لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ إبْطَالَ حَقِّ الْمُسْلِمِينَ عَنْهُ بِأَنْ يَخْتَصَّ بِهِ أَحَدُهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُ ذَلِكَ. فَإِذَا أَرَادَ إبْطَالَ حَقِّ جَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ بِالْمَنِّ عَلَيْهِ، أَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَمْنُوعًا مِنْهُ.
وَهَذَا لِأَنَّ فِي الْمَنِّ عَلَيْهِ تَمْكِينَهُ مِنْ أَنْ يَعُودَ حَرْبًا لِلْمُسْلِمِينَ بَعْدَ الظُّهُورِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ لَا يَحِلُّ.
١٩٠٢ - وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ حُكْمَ الْمَنِّ الثَّابِتِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِمَّا مَنًّا بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً} [محمد: ٤] . قَدْ انْتَسَخَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ} [التوبة: ٥] .
وَاَلَّذِي رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنَّ عَلَى أَبِي عَزَّةَ الْجُمَحِيِّ يَوْمَ بَدْرٍ. فَقَدْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ انْتِسَاخِ حُكْمِ الْمَنِّ» .
أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا «وَقَعَ أَسِيرًا يَوْمَ أُحُدٍ وَطَلَبَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَمُنَّ عَلَيْهِ أَبَى وَقَالَ: لَا تُحَدِّثْ الْعَرَبَ بِأَنِّي خَدَعْت مُحَمَّدًا مَرَّتَيْنِ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَقُتِلَ» .
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - لِلْحَدِيثِ تَأْوِيلًا آخَرَ وَهُوَ: أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُقَاتِلُ عَبَدَةَ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ.
وَأُولَئِكَ مَا كَانَ يَجْرِي عَلَيْهِمْ حُكْمُ السَّبْيِ، وَإِنَّمَا مَنَّ عَلَى بَعْضِ الْأُسَرَاءِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إبْطَالُ حَقٍّ ثَابِتٍ لِلْمُسْلِمِينَ فِي رِقَابِهِمْ. وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ فِي مِثْلِهِمْ مِنْ الْمُرْتَدِّينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ مِنْ الْعَرَبِ، الَّذِينَ لَا يُقْبَلُ مِنْهُمْ إلَّا السَّيْفُ أَوْ الْإِسْلَامُ، فَإِنَّهُمْ إنْ أَسْلَمُوا كَانُوا أَحْرَارًا، وَإِنْ أَبَوْا قُتِلُوا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute