يَعْقُوبَ، عَنْ مَالِكٍ، عَنْ هِشَامٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْهَا، مَفْصُولًا عَنِ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ. وَكَذَا فَصَلَهُمَا مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ أَبِي أُسَامَةَ، عَنْ هِشَامٍ، وَنُكْتَتُهُ هُنَا اخْتِلَافُ التَّحَمُّلِ ; لِأَنَّهَا فِي الْأَوَّلِ أَخْبَرَتْ عَنْ مَسْأَلَةِ الْحَارِثِ، وَفِي الثَّانِي أَخْبَرَتْ عَمَّا شَاهَدَتْهُ تَأْيِيدًا لِلْخَبَرِ الْأَوَّلِ
(وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ) بِوَاوِ الْقَسَمِ وَاللَّامِ لِلتَّأْكِيدِ، أَيْ وَاللَّهِ لَقَدْ أَبْصَرْتُهُ (يَنْزِلُ) بِفَتْحِ أَوَّلِهُ وَكَسْرِ ثَالِثِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: بِضَمِّ أَوَّلِهُ وَفَتْحِ ثَالِثِهِ (عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ) الشَّدِيدِ صِفَةٌ جَرَتْ عَلَى غَيْرِ مَنْ هِيَ لَهُ ; لِأَنَّهُ صِفَةُ الْبَرْدِ لَا الْيَوْمِ (فَيَفْصِمُ) بِفَتْحِ الْيَاءِ وَكَسْرِ الصَّادِ أَوْ بِضَمِّهَا وَكَسْرِ الصَّادِ، مِنْ أَفْصَمَ، رُبَاعِيٌّ، وَهِيَ لُغَةٌ قَلِيلَةٌ، أَوْ مَبْنِيٌّ لِلْمَجْهُولِ، رِوَايَاتٌ كَمَا مَرَّ، أَيْ يَقْلَعُ (عَنْهُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لِيَتَفَصَّدُ) بِالْيَاءِ ثُمَّ التَّاءِ وَفَاءٍ وَصَادٍ مُهْمَلَةٍ ثَقِيلَةٍ، مِنَ الْفَصْدِ، وَهُوَ قَطْعُ الْعِرْقِ لِإِسَالَةِ الدَّمِ، شُبِّهَ جَبِينُهُ بِالْعِرْقِ الْمَفْصُودِ مُبَالَغَةً فِي الْكَثْرَةِ، أَيْ لَيَسِيلُ (عَرَقًا) تَمْيِيزٌ، زَادَ ابْنُ أَبِي الزِّنَادِ عَنْ هِشَامٍ بِهَذَا الْإِسْنَادِ عِنْدَ الْبَيْهَقِيِّ: " وَإِنْ كَانَ لَيُوحَى إِلَيْهِ وَهُوَ عَلَى نَاقَتِهِ فَتَضْرِبُ جِرَانَهَا مِنْ ثِقَلِ مَا يُوحَى إِلَيْهِ "، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى كَثْرَةِ مُعَانَاةِ التَّعَبِ وَالْكَرْبِ ثُمَّ نُزُولِ الْوَحْيِ لِمُخَالَفَةِ الْعَادَةِ، وَهُوَ كَثْرَةُ الْعَرَقِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ فَيَشْعُرُ بِأَمْرٍ طَارِئٍ زَائِدٍ عَلَى الطِّبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ.
وَحَكَى الْعَسْكَرِيُّ فِي كِتَابِ التَّصْحِيفِ عَنْ بَعْضِ شُيُوخِهِ بِالْقَافِ مِنَ التَّقْصِيدِ، قَالَ الْعَسْكَرِيُّ: فَإِنْ ثَبَتَ مِنْ قَوْلِهِمْ تَقَصَّدَ الشَّيْءُ إِذَا تَكَسَّرَ وَتَقَطَّعَ، وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ، انْتَهَى.
وَقَدْ وَقَعَ فِي هَذَا التَّصْحِيفِ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ فَرَدَّهُ عَلَيْهِ الْمُؤْتَمِنُ السَّاجِيُّ بِالْفَاءِ، فَأَصَرَّ عَلَى الْقَافِ
وَذَكَرَ الذَّهَبِيُّ عَنِ ابْنِ نَاصِرٍ أَنَّهُ رَدَّ عَلَى ابْنِ طَاهِرٍ لَمَّا قَرَأَهَا بِالْقَافِ، قَالَ: فَكَابَرَنِي، قُلْتُ: وَلَعَلَّهُ وَجَّهَهُ بِمَا قَالَ الْعَسْكَرِيُّ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَالِكٍ بِهِ، وَتَابَعَهُ ابْنُ عُيَيْنَةَ وَغَيْرُهُ عَنْ هِشَامٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute