وُجِدَتِ الرُّؤْيَةُ لَيْلًا أَوْ نَهَارًا لَكِنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى صَوْمِ الْيَوْمِ الْمُسْتَقْبَلِ.
وَفَرَّقَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بَيْنَ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ وَمَا بَعْدَهُ، وَخَالَفَ الشِّيعَةُ الْإِجْمَاعَ فَأَوْجَبُوهُ مُطْلَقًا، وَظَاهِرَهُ أَيْضًا النَّهْيُ عَنِ ابْتِدَاءِ صَوْمِ رَمَضَانَ قَبْلَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَيَدْخُلُ فِيهِ صُورَةُ الْغَيْمِ وَغَيْرُهَا.
قَالَ الْبَاجِيُّ: مُقْتَضَاهُ مَعَ صَوْمِ آخِرِ شَعْبَانَ يُرِيدُ عَلَى مَعْنَى التَّلَقِّي لِرَمَضَانَ أَوِ الِاحْتِيَاطِ، وَأَمَّا نَفْلًا فَيَجُوزُ.
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: عِنْدَ مَالِكٍ وَالْجُمْهُورِ؛ وَاسْتَحَبَّ ابْنُ عَبَّاسٍ وَجَمَاعَةٌ الْفَصْلَ بَيْنَ شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ بِفِطْرِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ أَوْ أَيَّامٍ، كَمَا اسْتَحَبُّوا الْفَصْلَ بَيْنَ صَلَاةِ الْفَرِيضَةِ وَالنَّافِلَةِ بِكَلَامٍ أَوْ مَشْيٍ أَوْ تَقَدُّمٍ أَوْ تَأَخُّرٍ مِنَ الْمَكَانِ، وَصَحَّ مَرْفُوعًا: " «إِذَا بَقِيَ نِصْفُ شَعْبَانَ فَلَا تَصُومُوا» " وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ أَئِمَّةُ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَامَ شَعْبَانَ كُلَّهُ، قَالَتْ عَائِشَةُ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَكْثَرَ صِيَامًا مِنْهُ فِي شَعْبَانَ كَانَ يَصُومُهُ إِلَّا قَلِيلًا بَلْ كَانَ يَصُومُهُ كُلَّهُ» ".
وَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: " «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصُومُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ إِلَّا شَعْبَانَ وَرَمَضَانَ» ".
وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ: جَائِزٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَنْ يُقَالَ: صَامَ الشَّهْرَ كُلَّهُ إِذَا صَامَ أَكْثَرَهُ.
(وَلَا تُفْطِرُوا) مِنْ صَوْمِهِ (حَتَّى تَرَوْهُ) أَيِ: الْهِلَالَ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ رُؤْيَةَ جَمِيعِ النَّاسِ؛ بِحَيْثُ يَحْتَاجُ كُلُّ فَرْدٍ فَرْدٍ إِلَى رُؤْيَتِهِ، بَلِ الْمُعْتَبَرُ رُؤْيَةُ بَعْضِهِمْ، وَهُوَ الْعَدَدُ الَّذِي يَثْبُتُ بِهِ الْحُقُوقُ وَهُوَ عَدْلَانِ، وَلَا يَثْبُتُ رَمَضَانُ بِعَدْلٍ وَاحِدٍ خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي السُّنَنِ: قَالَ: " «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيْتُ الْهِلَالَ فَقَالَ: أَتَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، أَتَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنْ يَصُومُوا غَدًا» " لَكِنْ أَعَلَّهُ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ بِأَنَّ أَكْثَرَ الرُّوَاةِ يُرْسِلُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِدُونِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَابْنُ حِبَّانَ، «عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: " تَرَاءَى النَّاسُ الْهِلَالَ فَأَخْبَرْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنِّي رَأَيْتُهُ فَصَامَ وَأَمَرَ النَّاسَ بِصِيَامِهِ» "، وَهَذَا أَشْهَرُ قَوْلَيِ الشَّافِعِيِّ عِنْدَ أَصْحَابِهِ وَأَصَحُّهُمَا، لَكِنْ آخِرُ قَوْلَيْهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ عَدْلَيْنِ، قَالَ فِي الْأُمِّ: لَا يَجُوزُ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ إِلَّا شَاهِدَانِ، وَلَا يَثْبُتُ شَوَّالٌ بِوَاحِدٍ عِنْدَ الْجَمِيعِ إِلَّا أَبَا ثَوْرٍ، (فَإِنَّ غُمَّ عَلَيْكُمْ) بِضَمِّ الْغَيْنِ الْمُعْجَمَةِ وَشَدِّ الْمِيمِ؛ أَيْ: حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ الْهِلَالِ غَيْمٌ فِي صَوْمِكُمْ أَوْ فِطْرِكُمْ (فَاقْدُرُوا لَهُ) بِهَمْزَةِ وَصْلٍ وَضَمِّ الدَّالِّ تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ: " «لَا تَصُومُوا حَتَّى تَرَوُا الْهِلَالَ» " إِذِ الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ بِهِ، وَقَدْ أَوْرَثَتْ هَذِهِ الزِّيَادَةُ الْمُؤَكِّدَةُ عِنْدَ الْمُخَالِفِ شُبْهَةً بِحَسَبِ تَفْسِيرِهِ لِقَوْلِهِ: فَاقْدُرُوا لَهُ، فَقَالَ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ وَالْجُمْهُورُ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوا لَهُ تَمَامَ الْعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا، يُقَالُ: قَدَّرْتُ الشَّيْءَ وَأَقْدَرْتُهُ وَقَدَّرْتُهُ بِمَعْنَى التَّقْدِيرِ؛ أَيِ: انْظُرُوا فِي أَوَّلِ الشَّهْرِ وَاحْسِبُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا كَمَا جَاءَ مُفَسَّرًا فِي الْحَدِيثِ اللَّاحِقِ، وَلِذَا أَتَى بِهِ الْإِمَامُ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّهُ مُفَسَّرٌ، وَلِذَا لَمْ يَجْتَمِعَا فِي رِوَايَةٍ بَلْ تَارَةً يَذْكُرُ هَذَا، وَتَارَةً يَذْكُرُ هَذَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَاهُ ضَيِّقُوا لَهُ وَقَدِّرُوهُ تَحْتَ السَّحَابِ، وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ مِمَّنْ يُجَوِّزُ صَوْمَ لَيْلَةِ الْغَيْمِ عَنْ رَمَضَانَ.
وَقَالَ ابْنُ سُرَيْجٍ: مَعْنَاهُ قَدِّرُوهُ بِحَسَبِ الْمَنَازِلِ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute