للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تَسْتَطِيعُ أَنْ تَعْتِقَ رَقَبَةً؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَسْتَطِيعُ أَنْ تَصُومَ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَهَلْ تَجِدُ إِطْعَامَ سِتِّينَ مِسْكِينًا؟ قَالَ: لَا» " الْحَدِيثَ.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ فِي طَائِفَةٍ فَقَالُوا: لَا يَنْتَقِلُ عَنِ الْعِتْقِ إِلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْهُ وَلَا عَنِ الصَّوْمِ كَذَلِكَ.

وَقَالَ مَالِكٌ وَجَمَاعَةٌ: هِيَ عَلَى التَّخْيِيرِ لِظَاهِرِ حَدِيثِ الْبَابِ الدَّالِّ عَلَى أَنَّ التَّرْتِيبَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ لَيْسَ بِمُرَادٍ، وَلِأَنَّهُ اقْتَصَرَ عَلَى الْإِطْعَامِ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ وَلِذَا قَالَ مَالِكٌ: الْإِطْعَامُ أَفْضَلُ وَلِأَنَّهُ سُنَّةُ الْبَدَلِ فِي الصِّيَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَامِلَ وَالْمُرْضِعَ وَالشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالْمُفَرِّطَ فِي قَضَاءِ رَمَضَانَ، حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهِ رَمَضَانُ آخَرُ لَا يُؤْمَرُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ بِعِتْقٍ وَلَا صِيَامٍ، فَصَارَ الْإِطْعَامُ لَهُ مَدْخَلٌ فِي الصِّيَامِ، وَنَظَائِرُهُ مِنَ الْأُصُولِ فَلِذَا فَضَّلَهُ مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَمَا فِي الْمُدَوَّنَةِ عَنْ مَالِكٍ مِمَّا يُوهِمُ تَعْيِنَ الْإِطْعَامِ مُؤَوَّلٌ بِأَنَّ الْمُرَادَ أَفْضَلُ.

وَقَالَ الْمَازِرِيُّ: لَيْسَ فِي قَوْلِهِ: " هَلْ تَسْتَطِيعُ " دَلَالَةٌ عَلَى التَّرْتِيبِ لَا نَصًّا وَلَا ظَاهِرًا إِنَّمَا فِيهِ الْبُدَاءَةُ بِالْأَوَّلِ، وَهُوَ يَصِحُّ عَلَى التَّخْيِيرِ وَالتَّرْتِيبِ، فَبَانَ مِنْ رِوَايَةِ " أَوْ " أَنَّ الْمُرَادَ التَّخْيِيرُ، انْتَهَى.

(فَقَالَ لَا أَجِدُ) وَفِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: " «قَالَ: تَصَدَّقَ، فَقَالَ: يَا نَبِيَّ اللَّهِ مَا لِي شَيْءٌ وَمَا أَقْدِرُ عَلَيْهِ» زَادَ ابْنُ عُيَيْنَةَ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ فَقَالَ: اجْلِسْ (فَأُتِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) بِضَمِّ الْهَمْزَةِ مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ، وَلَمْ يُسَمِّ الْآتِي لَكِنْ لِلْبُخَارِيِّ فِي الْكَفَّارَاتِ: " فَجَاءَ رَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ مُرْسَلًا: " فَأَتَى رَجُلٌ مِنْ ثَقِيفٍ قَالَ الْحَافِظُ: فَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى أَنَّهُ كَانَ حَلِيفًا لِلْأَنْصَارِ أَوْ إِطْلَاقِ الْأَنْصَارِ بِالْمَعْنَى الْأَعَمِّ، وَإِلَّا فَمَا فِي الصَّحِيحِ أَصَحُّ، (بِعَرَقِ تَمْرٍ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ وَقَافٍ، وَرُوِيَ بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، قَالَ عِيَاضٌ: وَالصَّوَابُ الْفَتْحُ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ رِوَايَةً وَلُغَةً، وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: أَكْثَرُهُمْ يَرْوِيهَا بِإِسْكَانِ الرَّاءِ، وَالصَّوَابُ عِنْدَ أَهْلِ الْإِتْقَانِ فَتْحُ الرَّاءِ، وَكَذَا قَالَ أَهْلُ اللُّغَةِ، وَفَسَّرَهُ الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَةِ الصَّحِيحَيْنِ بِأَنَّهُ الْمِكْتَلُ؛ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَفَتْحِ الْفَوْقِيَّةِ، قَالَ الْأَخْفَشُ: سُمِّيَ الْمِكْتَلُ عَرَقًا؛ لِأَنَّهُ يُضَفَّرُ عَرَقَةً عَرَقَةً، وَالْعُرُوقُ جَمْعُ عِرْقَةٍ كَعَلَقٍ وَعَلَقَةٍ، وَالْعَرَقَةُ الضَّفِيرَةُ مِنَ الْخُوصِ (فَقَالَ: خُذْ هَذَا فَتَصَدَّقْ بِهِ) أَيْ: بِالتَّمْرِ الَّذِي فِيهِ (فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا أَجِدُ أَحْوَجَ) ضُبِطَ بِالرَّفْعِ عَلَى جَعْلِ " مَا " تَمِيمِيَّةٌ، وَالنَّصْبِ عَلَى جَعْلِهَا حِجَازِيَّةٌ عَامِلَةٌ عَمَلَ لَيْسَ (مِنِّي) ، وَفِي رِوَايَةٍ فَقَالَ: " «عَلَى أَفْقَرَ مِنِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ فَوَاللَّهِ مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا - يُرِيدُ الْحَرَّتَيْنِ - أَهْلُ بَيْتٍ أَفْقَرُ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي» وَفِي أُخْرَى: " «مَا أَحَدٌ أَحَقُّ بِهِ مِنْ أَهْلِي، مَا أَحَدٌ أَحْوَجَ إِلَيْهِ مِنِّي» وَلِابْنِ خُزَيْمَةَ عَنْ عَائِشَةَ: " «مَا لَنَا عَشَاءُ لَيْلَةٍ» " ( «فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَنْيَابُهُ» ) جَمْعُ نَابٍ، وَهِيَ الْأَسْنَانُ الْمُلَاصِقَةُ لِلرُّبَاعِيَّاتِ، وَهِيَ أَرْبَعَةٌ، وَالضَّحِكُ فَوْقَ التَّبَسُّمِ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّ ضَحِكَهُ كَانَ تَبَسُّمًا فِي غَالِبِ أَحْوَالِهِ، لَكِنَّهُ تَعَجَّبَ هُنَا مِنْ حَالِ الرِّجَالِ فِي كَوْنِهِ جَاءَ أَوَّلًا هَالِكًا مُحْتَرِقًا

<<  <  ج: ص:  >  >>