للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

هَذَا وَقَرَأَ الشَّعْبِيُّ: وَالْعُمْرَةُ لِلَّهِ، بِرَفْعِ الْعُمْرَةِ، فَفَصَلَ بِهَذَا، لِقِرَاءَةِ عَطْفِ الْعُمْرَةِ عَلَى الْحَجِّ، فَارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَصَارَ مِنْ أَدِلَّةِ السُّنِّيَّةِ.

وَلِلْتِرْمِذِيِّ مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ أَرْطَأَةَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: " «أَتَى أَعْرَابِيٌّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي عَنِ الْعُمْرَةِ أَوَاجِبَةٌ هِيَ؟ فَقَالَ: لَا، وَأَنْ تَعْتَمِرَ خَيْرٌ لَكَ» " قَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

قَالَ الْكَمَالُ بْنُ الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ: لَا يَنْزِلُ عَنْ دَرَجَةِ الْحَسَنِ، وَإِنْ كَانَ الْحَجَّاجُ بْنُ أَرْطَأَةَ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: لَا يُحْتَجُّ بِهِ، فَقَدْ تَابَعَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنِ ابْنِ الْمُنْكَدِرِ عَنْ جَابِرٍ، وَأَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ فِي الصَّغِيرِ، وَالدَّارَقُطْنِيُّ بِطَرِيقٍ آخَرَ، عَنْ جَابِرٍ فِيهِ يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ، وَضَعَّفَهُ، وَلَهُ شَاهِدٌ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، مَرْفُوعًا: " «الْحَجُّ جِهَادٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» "، وَلِابْنِ أَبِي شَيْبَةَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ: " «الْحَجُّ فَرِيضَةٌ، وَالْعُمْرَةُ تَطَوُّعٌ» ، انْتَهَى مُلَخَّصًا.

وَاسْتَدَلُّوا أَيْضًا بِحَدِيثِ: " «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» "، فَذَكَرَ الْحَجَّ دُونَ الْعُمْرَةِ، وَزِيَادَتُهَا فِي رِوَايَةِ الدَّارَقُطْنِيِّ شَاذَّةٌ ضَعِيفَةٌ.

وَحَدِيثُ ابْنِ عَدِيٍّ عَنْ جَابِرٍ، مَرْفُوعًا: " «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ» "، ضَعِيفٌ، لِأَنَّ فِيهِ ابْنَ لَهِيعَةَ.

وَلِلْحَاكِمِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: " «الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ فَرِيضَتَانِ» "، وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ، مَعَ أَنَّهُ مَوْقُوفٌ، وَالثَّابِتُ عَنْهُ فِي الْبُخَارِيِّ تَعْلِيقًا.

وَأَخْرَجَهُ الشَّافِعِيُّ، وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ، وَاللَّهِ إِنَّهَا لَقَرِينَتُهُ فِي كِتَابِ اللَّهِ: {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: ١٩٦] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٩٦) ، فَبَيَّنَ أَنَّهُ اسْتِنْبَاطٌ لَهُ مِنَ الْآيَةِ، وَاجْتِهَادٌ، وَهُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ، فَلَا حُجَّةَ فِيهِ، لِأَنَّ دَلَالَةَ الِاقْتِرَانِ ضَعِيفَةٌ عِنْدَ أَهْلِ الْأُصُولِ.

(قَالَ مَالِكٌ: وَلَا أَرَى لِأَحَدٍ أَنْ يَعْتَمِرَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا) مِنْ إِطْلَاقِ الْجَمْعِ عَلَى مَا فَوْقَ الْوَاحِدِ، فَتُكْرَهُ الْمَرَّةُ الثَّانِيَةُ فَأَكْثَرَ، لِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اعْتَمَرَ أَرْبَعًا كُلُّ وَاحِدَةٍ فِي سَنَةٍ، مَعَ تَمَكُّنِهِ مِنَ التَّكْرِيرِ، نَعَمْ، إِنْ شَرَعَ فِي الْمَكْرُوهِ لَزِمَهُ إِتْمَامُهَا، لِأَنَّهُ مِنْ قِسْمِ الْجَائِزِ، وَأَجَازَ الْجُمْهُورُ، وَكَثِيرٌ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ التَّكْرَارَ بِلَا كَرَاهَةٍ لِلْحَدِيثِ السَّابِقِ: " «الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا» " حَتَّى بَالَغَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، فَقَالَ: لَا أَعْلَمُ لِمَنْ كَرِهَ ذَلِكَ حُجَّةً مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لِمِثْلِهَا، وَاتَّفَقُوا عَلَى جَوَازِهَا فِي جَمِيعِ الْأَيَّامِ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَلَبِّسًا بِالْحَجِّ، إِلَّا مَا نُقِلَ عَنِ الْحَنَفِيَّةِ أَنَّهَا تُكْرَهُ يَوْمَ عَرَفَةَ، وَالنَّحْرِ، وَأَيَّامَ التَّشْرِيقِ.

(قَالَ مَالِكٌ فِي الْمُعْتَمِرِ: يَقَعُ بِأَهْلِهِ) - يُجَامِعُهَا - (إِنَّ عَلَيْهِ فِي ذَلِكَ الْهَدْيَ، وَعُمْرَةً أُخْرَى) قَضَاءً عَنِ الَّتِي أَفْسَدَ، (يَبْتَدِئُ بِهَا) عَاجِلًا (بَعْدَ إِتْمَامِهِ الَّتِي أَفْسَدَهَا) بِالْوِقَاعِ (وَيُحْرِمُ) فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ، (مِنْ حَيْثُ أَحْرَمَ بِعُمْرَتِهِ الَّتِي أَفْسَدَ إِلَّا أَنْ يَكُونَ أَحْرَمَ) ، فِي الَّتِي أَفْسَدَ، (مِنْ مَكَانٍ أَبْعَدَ مِنْ مِيقَاتِهِ) ، كَمِصْرِيٍّ أَحْرَمَ مِنْ ذِي الْحُلَيْفَةِ بِعُمْرَةٍ، فَأَفْسَدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>