لَيْلَةٍ أَلْغَتْ تِلْكَ الْبَقِيَّةَ وَعَدَّتِ الثَّلَاثَ مِنَ اللَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ، وَالْمَصْدَرُ الْمُنْسَبِكُ مِنْ " أَنْ تُحِدَّ " فَاعِلُ يَحِلُّ، وَ " فَوْقَ " ظَرْفُ زَمَانٍ لِأَنَّهُ أُضِيفَ إِلَى زَمَانٍ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) إِيجَابٌ لِلنَّفْيِ، وَالْجَارُّ وَالْمَجْرُورُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تُحِدَّ "، فَالِاسْتِثْنَاءُ مُفَرَّغٌ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) أَيْ أَيَّامَهَا عِنْدَ الْجُمْهُورِ، فَلَا تَحِلُّ حَتَّى تَدْخُلَ اللَّيْلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ، فَأُنِّثَ الْعَدَدُ لِإِرَادَةِ الْمُدَّةِ، أَوْ أُرِيدَ الْأَيَّامُ بِلَيَالِيهَا، خِلَافًا لِلْأَوْزَاعِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهَا عَشْرُ لَيَالٍ فَتَحِلُّ فِي الْيَوْمِ الْعَاشِرِ، وَلَوْلَا الِاتِّفَاقُ عَلَى وُجُوبِ إِحْدَادِ الْمُتَوَفَّى عَنْهَا لَكَانَ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ الْإِبَاحَةَ لِأَنَّهُ اسْتُثْنِيَ مِنْ عُمُومِ الْحَظْرِ، وَأَشَارَ الْبَاجِيُّ إِلَى أَنَّهُ مِنْ عُمُومِ الْأَمْرِ بَعْدَ الْحَظْرِ، فَيُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ عِنْدَ مَنْ يَقُولُ ذَلِكَ مِنَ الْأُصُولِيِّينَ، وَلَيْسَ الْحَدِيثُ مِنْ ذَلِكَ إِذْ لَيْسَ فِيهِ أَمْرٌ بَعْدَ حَظْرٍ إِنَّمَا هُوَ اسْتِثْنَاءٌ مِنَ الْحَظْرِ، وَاخْتُلِفَ فِي الْحَامِلِ يَزِيدُ عَلَيْهَا: هَلْ عَلَيْهَا الْإِحْدَادُ فِي الزِّيَادَةِ حَتَّى تَضَعَ أَوْ لَا يَلْزَمُهَا إِحْدَادٌ فِي الْحَدِيثِ؟ قَالَهُ عِيَاضٌ.
(قَالَتْ زَيْنَبُ) بِالسَّنَدِ السَّابِقِ، وَهَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي (ثُمَّ دَخَلْتُ عَلَى زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ زَوْجِ النَّبِيِّ حِينَ تُوُفِّيَ أَخُوهَا) عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَحْشٍ، كَمَا سُمِّيَ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُوَطَّآتِ كَابْنِ وَهْبٍ وَغَيْرِهِ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ وَأَبِي مُصْعَبٍ عِنْدَ ابْنِ حِبَّانَ، لَكِنِ اسْتُشْكِلَ بِأَنَّ عَبْدَ اللَّهِ اسْتُشْهِدَ بِأُحُدٍ وَزَيْنَبُ حِينَئِذٍ صَغِيرَةٌ جِدًّا ; لِأَنَّ أَبَاهَا مَاتَ بَعْدَ بَدْرٍ، وَأَنَّ أُمَّهَا حَلَّتْ بِوَضْعِهَا وَتَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أُمَّهَا وَهِيَ صَغِيرَةٌ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ ابْنَ عَبْدِ الْبَرِّ وَغَيْرَهُ حَكَوْا أَنَّ زَيْنَبَ وُلِدَتْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، وَمُقْتَضَاهُ أَنْ يَكُونَ لَهَا عِنْدَ وَفَاةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ أَرْبَعُ سِنِينَ وَمِثْلُهَا يَضْبُطُ ذَلِكَ وَيُمَيِّزُهُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَخِ عُبَيْدِ اللَّهِ الْمُصَغَّرِ الَّذِي تَنَصَّرَ وَمَاتَ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ، فَتَزَوَّجَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَهُ أُمَّ حَبِيبَةَ، فَإِنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ أَبِي سَلَمَةَ كَانَتْ مُمَيِّزَةً لَمَّا جَاءَ خَبَرُ وَفَاتِهِ، وَقَدْ يَحْزَنُ الْمَرْءُ عَلَى قَرِيبِهِ الْكَافِرِ لَا سِيَّمَا إِذَا تَذَكَّرَ سُوءَ مَصِيرِهِ، وَلَعَلَّ مَا وَقَعَ فِي تِلْكَ الْمُوَطَّآتِ عَبْدُ اللَّهِ - بِالتَّكْبِيرِ - كَانَ عُبَيْدَ اللَّهِ - بِتَصْغِيرِ عَبْدٍ - فَلَمْ يَضْبِطْهُ الْكَاتِبُ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ أَخٌ لَهَا مِنْ أُمِّهَا أَوْ مِنَ الرَّضَاعَةِ، وَأَمَّا أَخُوهَا أَبُو أَحْمَدَ بْنُ جَحْشٍ وَاسْمُهُ عَبْدٌ، بِلَا إِضَافَةٍ، كَانَ شَاعِرًا أَعْمَى، فَمَاتَ بَعْدَ أُخْتِهِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ بِسَنَةٍ، كَمَا جَزَمَ بِهِ ابْنُ إِسْحَاقَ وَغَيْرُهُ، وَحَضَرَ جِنَازَةَ أُخْتِهِ، وَرَاجَعَ عُمَرَ فِي شَيْءٍ بِسَبَبِهَا كَمَا عِنْدَ ابْنِ سَعْدٍ، فَلَا يَصِحُّ إِرَادَتُهُ هُنَا، هَذَا وَلَفْظُ " ثُمَّ " هُنَا لِتَرْتِيبِ الْأَخْبَارِ لَا لِتَرْتِيبِ الْوَقَائِعِ ; لِأَنَّ زَيْنَبَ ابْنَةَ جَحْشٍ مَاتَتْ قَبْلَ أَبِي سُفْيَانَ بِأَكْثَرِ مِنْ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّحِيحِ الْمَشْهُورِ (فَدَعَتْ بِطِيبٍ فَمَسَّتْ مِنْهُ) وَفِي رِوَايَةٍ " بِهِ " أَيْ شَيْئًا مِنْ جَسَدِهَا (ثُمَّ قَالَتْ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ: " أَمَا " بِالتَّخْفِيفِ (وَاللَّهِ مَا لِي بِالطِّيبِ حَاجَةٌ) وَلِابْنِ يُوسُفَ بِزِيَادَةِ " مِنْ " (غَيْرَ أَنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ) زَادَ التِّنِّيسِيُّ " عَلَى
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute