الْمِنْبَرِ " (لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) هُوَ مِنْ خِطَابِ التَّصْحِيحِ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ هُوَ الَّذِي يَنْتَفِعُ بِالْخِطَابِ وَيَنْقَادُ لَهُ، فَهَذَا الْوَصْفُ لِتَأْكِيدِ التَّحْرِيمِ لِمَا يَقْتَضِيهِ سِيَاقُهُ، وَمَفْهُومُهُ أَنَّ خِلَافَهُ مُنَافٍ لِلْإِيمَانِ كَمَا قَالَ - تَعَالَى -: {وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} [المائدة: ٢٣] (سُورَةُ الْمَائِدَةِ: الْآيَةُ ٢٣) فَإِنَّهُ يَقْتَضِي تَأْكِيدَ أَمْرِ التَّوَكُّلِ بِرَبْطِهِ بِالْإِيمَانِ (تُحِدُّ) بِضَمٍّ فَكَسْرٍ وَبِفَتْحٍ فَضَمٍّ وَحَذْفِ " أَنْ " النَّاصِبَةِ وَرَفْعِ الْفِعْلِ وَهُوَ مَقِيسٌ (عَلَى مَيْتٍ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ) قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ: أَبَاحَ الشَّارِعُ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى غَيْرِ الزَّوْجِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ; لِمَا يَغْلِبُ مِنْ لَوْعَةِ الْحُزْنِ وَيَهْجُمُ مِنْ أَلِيمِ الْوَجْدِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ وَاجِبًا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى أَنَّ الزَّوْجَ لَوْ طَالَبَهَا بِالْجِمَاعِ لَمْ يَحِلَّ لَهَا مَنْعُهُ فِي تِلْكَ الْحَالَةِ (إِلَّا عَلَى زَوْجٍ) فَتُحِدُّ عَلَيْهِ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) فَالظَّرْفُ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ فِي الْمُسْتَثْنَى دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ فِي الْمُسْتَثْنَى مِنْهُ وَالِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلٌ إِنْ جُعِلَ بَيَانًا لِقَوْلِهِ: " فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ " فَالْمَعْنَى لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تُحِدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا عَلَى مَيْتٍ إِلَّا عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، وَإِنْ جُعِلَ مَعْمُولًا لِتُحِدَّ مُضْمَرًا فَهُوَ مُنْقَطِعٌ أَيْ لَكِنْ تُحِدُّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، قَالُوا: وَحِكْمَةُ هَذَا الْعَدَدِ أَنَّ الْوَلَدَ يَتَكَامَلُ خَلْقُهُ فِي مِائَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَهِيَ تَزِيدُ عَلَى أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ لِنَقْصِ الْأَهِلَّةِ فَجَبَرَ الْكَسْرَ إِلَى الْعِقْدِ احْتِيَاطًا (قَالَتْ زَيْنَبُ) بِالسَّنَدِ السَّابِقِ، وَهَذَا هُوَ الْحَدِيثُ الثَّالِثُ (وَسَمِعْتُ) أُمِّي (أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - تَقُولُ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ) هِيَ عَاتِكَةُ بِنْتُ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ النَّحَّامِ كَمَا فِي مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ لِأَبِي نُعَيْمٍ (إِلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ ابْنَتِي تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا) الْمُغِيرَةُ الْمَخْزُومِيُّ، رَوَاهُ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي الْأَحْكَامِ، وَرَوَى الْإِسْمَاعِيلِيُّ فِي تَأْلِيفِهِ مُسْنَدَ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيِّ عَنْهُ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ نَافِعٍ عَنْ زَيْنَبَ عَنْ أُمِّهَا قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ، قَالَ يَحْيَى: لَا أَدْرِي ابْنَةَ النَّحَّامِ أَوْ أُمَّهَا بِنْتَ سَعْدٍ، وَرَوَاهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طُرُقٍ كَثِيرَةٍ فِيهَا التَّصْرِيحُ بِأَنَّ الْبِنْتَ عَاتِكَةُ، فَعَلَى هَذَا فَأُمُّهَا لَمْ تُسَمَّ، قَالَهُ الْحَافِظُ.
(وَقَدِ اشْتَكَتْ) هِيَ، أَيِ ابْنَتِي (عَيْنَيْهَا) بِالتَّثْنِيَةِ وَالنَّصْبِ مَفْعُولٌ، وَفِي رِوَايَةِ التِّنِّيسِيِّ " عَيْنَهَا " بِالْإِفْرَادِ وَالنَّصْبِ أَيْضًا كَمَا رَجَّحَهُ الْمُنْذِرِيُّ بِدَلِيلِ التَّثْنِيَةِ بِالنَّصْبِ وَبِالرَّفْعِ عَلَى الْفَاعِلِيَّةِ، وَاقْتَصَرَ النَّوَوِيُّ عَلَيْهِ، وَنَسَبَتِ الشِّكَايَةَ إِلَى نَفْسِ الْعَيْنِ مَجَازًا، وَزَعَمَ الْحَرِيرِيُّ أَنَّ الصَّوَابَ النَّصْبُ وَأَنَّ الرَّفْعَ لَحْنٌ، وَرُدَّ بِأَنَّهُ يُؤَيِّدُ الرَّفْعَ أَنَّ فِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ: اشْتَكَتْ عَيْنَاهَا، بِالتَّثْنِيَةِ إِلَّا أَنْ يُجِيبَ بِأَنَّهُ عَلَى لُغَةِ مَنْ يُعْرِبُ الْمُثَنَّى فِي الْأَحْوَالِ الثَّلَاثِ بِحَرَكَاتٍ مُقَدَّرَةٍ (أَفَتَكْحُلُهُمَا؟) بِضَمِّ الْحَاءِ وَهُوَ مِمَّا جَاءَ مَضْمُومًا وَإِنْ كَانَتْ عَيْنُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute