حَرْفَ حَلْقٍ (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا) تَكْحُلْهُمَا قَالَ ذَلِكَ (مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلَاثًا كُلُّ ذَلِكَ يَقُولُ: لَا) تَأْكِيدًا لِلْمَنْعِ، وَيَأْتِي فِي حَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهُ قَالَ: " اجْعَلِيهِ بِاللَّيْلِ وَامْسَحِيهِ بِالنَّهَارِ ". وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَمْ يَتَحَقَّقِ الْخَوْفَ هُنَا عَلَى عَيْنَيْهَا ; إِذْ لَوْ تَحَقَّقَهُ لَأَبَاحَهُ لَهَا لِأَنَّ الْمَنْعَ مَعَ الضَّرُورَةِ حَرَجٌ، وَإِنَّمَا فُهِمَ عَنْهَا إِنَّمَا ذَكَرَتْهُ اعْتِذَارًا، لَا عَلَى وَجْهِ أَنَّ الْخَوْفَ ثَبَتَ، وَبِأَنَّ الْمَنْعَ مِنْهُ عِنْدَ عَدَمِ الْحَاجَةِ وَلَوْ بِاللَّيْلِ، فَإِنِ اضْطُرَّ إِلَيْهِ جَازَ بِاللَّيْلِ دُونَ النَّهَارِ، وَأَمَّا النَّهْيُ فَإِنَّمَا هُوَ نَدْبٌ لِتَرْكِهِ لَا عَلَى الْوُجُوبِ، قَالَهُ عِيَاضٌ وَغَيْرُهُ. (ثُمَّ قَالَ: إِنَّمَا هِيَ) أَيِ الْعِدَّةُ (أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا) بِالنَّصْبِ عَلَى حِكَايَةِ لَفْظِ الْقُرْآنِ، وَفِي رِوَايَةٍ: " أَرْبَعَةُ " بِالرَّفْعِ عَلَى الْأَصْلِ، وَالْمُرَادُ تَقْلِيلُ الْمُدَّةِ وَتَهْوِينُ الصَّبْرِ عَمَّا مُنِعَتْ مِنْهُ وَهُوَ الِاكْتِحَالُ فِي الْعِدَّةِ، وَلِذَا قَالَ: (وَقَدْ كَانَتْ إِحْدَاكُنَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ) بِفَتْحِ الْمُوَحَّدَةِ وَالْعَيْنِ وَتُسَكَّنُ، وَاحِدَةُ الْبَعْرِ وَالْجَمْعُ أَبْعَارٌ، رَجِيعُ ذِي الْخُفِّ وَالظِّلْفِ، وَفِي ذِكْرِ الْجَاهِلِيَّةِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ صَارَ بِخِلَافِهِ، لَكِنَّ التَّقْدِيرَ بِقَوْلِهِ: (عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ) اسْتَمَرَّ فِي الْإِسْلَامِ مُدَّةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا وَصِيَّةً لِأَزْوَاجِهِمْ مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ} [البقرة: ٢٤٠] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٤٠) ثُمَّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ: {يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا} [البقرة: ٢٣٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٣٤) وَالنَّاسِخُ مُقَدَّمٌ تِلَاوَةً مُتَأَخِّرٌ نُزُولًا، وَلَمْ يُوجَدْ فِي سُورَةٍ وَاحِدَةٍ إِلَّا فِي هَذِهِ، وَأَمَّا مِنْ سُورَتَيْنِ فَمَوْجُودٌ، قَالَهُ عِيَاضٌ، وَقَالَ غَيْرُهُ مِثْلَهُ {سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ} [البقرة: ١٤٢] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٤٢) مَعَ قَوْلِهِ: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ} [البقرة: ١٤٤] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ١٤٤) وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى النَّسْخِ، وَقِيلَ هُوَ حَضٌّ لِلْأَزْوَاجِ عَلَى الْوَصِيَّةِ بِتَمَامِ السَّنَةِ لِمَنْ لَا تَرِثُ، وَاخْتُلِفَ كَيْفَ كَانَ قَبْلَ النَّسْخِ: فَقِيلَ كَانَتِ النَّفَقَةُ وَالسُّكْنَى مِنْ مَالِ الْمَيِّتِ فَنُسِخَتِ النَّفَقَةُ بِآيَةِ الْمَوَارِيثِ وَالْحَوْلِ بِالْأَرْبَعَةِ وَعَشَرٍ، وَقِيلَ كَانَتْ مُخَيَّرَةً فِي الْمُقَامِ فَلَهَا النَّفَقَةُ وَالْخُرُوجُ فَلَا شَيْءَ لَهَا. وَقَالَ مُجَاهِدٌ: كَانَتْ تَعْتَدُّ عِنْدَ أَهْلِ زَوْجِهَا سَنَةً وَاجِبَةً، فَأَنْزَلَ اللَّهُ: {مَتَاعًا إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْرَاجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٢٤٠] (سُورَةُ الْبَقَرَةِ: الْآيَةُ ٢٤٠) وَالْعِدَّةُ عَلَيْهَا بَاقِيَةٌ، فَجَعَلَ لَهَا تَمَامَ الْحَوْلِ وَصِيَّةً إِنْ شَاءَتْ سَكَنَتْ وَإِنْ شَاءَتْ خَرَجَتْ.
(قَالَ حُمَيْدُ بْنُ نَافِعٍ) بِالْإِسْنَادِ السَّابِقِ (قُلْتُ لِزَيْنَبَ) بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ (وَمَا) مَعْنَى قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - (تَرْمِي بِالْبَعْرَةِ عَلَى رَأْسِ الْحَوَلِ؟ فَقَالَتْ زَيْنَبُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ) فِي الْجَاهِلِيَّةِ (إِذَا تُوُفِّيَ عَنْهَا زَوْجُهَا دَخَلَتْ حِفْشًا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ الْفَاءِ وَشِينٍ مُعْجَمَةٍ، بَيْتًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute