اللَّهُ عَنْهُ حَصَلَ لَهُ شِدَّةُ خَوْفٍ مِنْ ذَنْبِهِ (حَتَّى أَتَى عُمَرَبْنَ الْخَطَّابِ) لَمَّا عَلِمَ مِنْ صَلَابَتِهِ فِي الدِّينِ وَفِي الْحَدِيثِ: " «وَأَشَدُّهُمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ عُمَرُ» ". (فَقَالَ لَهُ مِثْلَ مَا قَالَ لِأَبِي بَكْرٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ مِثْلَ مَا قَالَ لَهُ أَبُو بَكْرٍ) لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ شَدِيدًا فِي أَمْرِ اللَّهِ لَكِنَّهُ عَالِمٌ بِأَنَّ الْإِنْسَانَ مَطْلُوبٌ بِالسَّتْرِ عَلَى نَفْسِهِ فَهُوَ مِنْ جُمْلَةِ أَمْرِ اللَّهِ (فَلَمْ تُقْرِرْهُ نَفْسُهُ) لِشِدَّةِ إِشْفَاقِهِ (حَتَّى جَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ، فَنَادَاهُ (فَقَالَ: إِنَّ الْأَخِرَ) بِهَمْزَةٍ مَقْصُورَةٍ وَخَاءٍ مَكْسُورَةٍ، أَيِ الرَّذْلَ الدَّنِيَّ (زَنَى، قَالَ سَعِيدٌ) ابْنُ الْمُسَيَّبِ (فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يُعْرِضُ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) وَعِنْدَ الْبُخَارِيِّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، وَابْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: «فَتَنَحَّى لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ قِبَلَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي زَنَيْتُ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ، فَجَاءَ لِشِقِّ وَجْهِهِ الَّذِي أَعْرَضَ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنِّي زَنَيْتُ» (حَتَّى إِذَا أَكْثَرَ عَلَيْهِ) بِالْمَرَّةِ الرَّابِعَةِ، فَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ: " «فَلَمَّا شَهِدَ عَلَى نَفْسِهِ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ دَعَاهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أَبِكَ جُنُونٌ؟ قَالَ: لَا، فَقَالَ: أُحْصِنْتَ؟ قَالَ: نَعَمْ» " وَلَا يُنَافِي سُؤَالُهُ عَنْ ذَلِكَ قَوْلَهُ: ( «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أَهْلِهِ فَقَالَ: أَيَشْتَكِي» ) مَرَضًا أَذْهَبَ عَقْلَهُ ( «أَمْ بِهِ جِنَّةٌ؟» ) بِكَسْرِ الْجِيمِ، أَيْ جُنُونٌ ; لِأَنَّهُ سَأَلَهُ أَوَّلًا ثُمَّ بَعَثَ إِلَى أَهْلِهِ؛ لِأَنَّهُ اسْتَنْكَرَ مَا وَقَعَ مِنْهُ ; إِذْ مِثْلُ ذَلِكَ لَا يَقَعُ مِنْ صَحِيحٍ عَاقِلٍ.
( «فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ إِنَّهُ لَصَحِيحٌ» ) فِي الْعَقْلِ وَالْبَدَنِ. ( «فَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَبِكْرٌ» ) هُوَ ( «أَمْ ثَيِّبٌ؟» ) أَيْ تَزَوَّجَ زَوْجَةً وَدَخَلَ بِهَا وَأَصَابَهَا بِعَقْدٍ صَحِيحٍ وَوَطْءٍ مُبَاحٍ ( «فَقَالُوا: بَلْ ثَيِّبٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَرُجِمَ» ) زَادَ فِي الصَّحِيحِ عَنْ جَابِرٍ: فَرَجَمْنَاهُ بِالْمُصَلَّى فَكُنْتُ فِيمَنْ رَجَمَهُ، فَلَمَّا أَدْلَقَتْهُ الْحِجَارَةُ فَرَّ فَأُدْرِكَ فَرُجِمَ حَتَّى مَاتَ. قَالَ فِي الْمُقَدِّمَةِ: وَالَّذِي أَدْرَكَهُ لَمَّا هَرَبَ فَقَتَلَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُنَيْسٍ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: عُمَرُ، حَكَاهُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، وَكَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ رَأْسَ الَّذِينَ رَجَمُوهُ، ذَكَرَهُ ابْنُ سَعْدٍ، انْتَهَى.
فَتَقَرَّبَ إِلَى اللَّهِ أَوَّلًا بِنُصْحِهِ بِأَمْرِهِ بِالتَّوْبَةِ وَالسَّتْرِ فَلَمَّا ثَبَتَ عَلَى الْإِقْرَارِ تَقَرَّبَ ثَانِيًا إِلَى اللَّهِ فَكَانَ رَأْسَ مَنْ رَجَمَهُ. وَاحْتَجَّ الْحَنَفِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ بِظَاهِرِهِ فِي اشْتِرَاطِ الْإِقْرَارِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ وَإِنَّهُ لَا يُكْتَفَى بِمَا دُونَهَا قِيَاسًا عَلَى الشُّهُودِ، وَأَجَابَ الْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ فِي عَدَمِ اشْتِرَاطِ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute