للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

الْعَشْرِ وَبَيْنَ مُقْتَضَى أَوَّلِ حَدِيثِ الْبَابِ لِسُهُولَتِهِ، وَهُوَ أَنَّهُ أَرْسَلَهُ يَدْعُوهُ وَحْدَهُ وَأَرْسَلَ مَعَهُ الْخُبْزَ فَإِنْ جَاءَ قَدَّمُوهُ لَهُ، وَإِنْ شَقَّ عَلَيْهِ الْمَجِيءُ لِمُحَاصَرَةِ الْأَحْزَابِ أَعْطَاهُ الْخُبْزَ سِرًّا.

وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ فِي أَنَّهُ أَقْرَاصٌ، أَوْ كِسَرٌ مِنْ خُبْزٍ، فَيُجْمَعُ بِأَنَّهَا كَانَتْ أَقْرَاصًا مُكَسَّرَةً.

وَقَوْلُهُ: اعْجِنِيهِ وَأَصْلِحِيهِ يُحْمَلُ عَلَى تَلْيِينِهِ بِنَحْوِ مَاءٍ، أَوْ سَمْنٍ لِيَسْهُلَ تَنَاوُلُهُ، كَأَنَّهُ كَانَ يَابِسًا، كَمَا هُوَ شَأْنُ الْكِسَرِ غَالِبًا.

(قَالَ: فَانْطَلَقَ) هُوَ وَمَنْ مَعَهُ، (وَانْطَلَقْتُ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ) ، وَفِي رِوَايَةِ يَعْقُوبَ عَنْ أَنَسٍ: " «فَلَمَّا قُلْتُ لَهُ: إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ، قَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَعَالَوْا، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِي فَشَدَّهَا، ثُمَّ أَقْبَلَ بِأَصْحَابِهِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا أَرْسَلَ وَأَنَا حَزِينٌ لِكَثْرَةِ مَنْ جَاءَ مَعَهُ» "، (حَتَّى جِئْتُ أَبَا طَلْحَةَ فَأَخْبَرْتُهُ) بِمَجِيئِهِمْ.

وَفِي رِوَايَةِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَبِيهِ: " فَدَخَلْتُ عَلَى أُمِّ سُلَيْمٍ وَأَنَا مُنْدَهِشٌ "، وَفِي رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى أَنَّ أَبَا طَلْحَةَ قَالَ: يَا أَنَسُ فَضَحْتَنَا.

وَلِلطَّبَرَانِيِّ الْأَوْسَطِ: فَجَعَلَ يَرْمِينِي بِالْحِجَارَةِ.

( «فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيْمٍ قَدْ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّاسِ، وَلَيْسَ عِنْدَنَا مِنَ الطَّعَامِ مَا نُطْعِمُهُمْ» ) ، أَيْ قَدْرُ مَا يَكْفِيهِمْ، (فَقَالَتْ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ) ، أَيْ أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِهِمْ إِلَّا وَسَيُطْعِمُهُمْ، كَأَنَّهَا عَرَفَتْ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ عَمْدًا لِيُظْهِرَ الْكَرَامَةَ فِي تَكْثِيرِ الطَّعَامِ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى فَضْلِ أُمِّ سُلَيْمٍ، وَرُجْحَانِ عَقْلِهَا.

(قَالَ: فَانْطَلَقَ أَبُو طَلْحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -) ، زَادَ فِي رِوَايَةٍ: فَقَالَ: " «يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عِنْدَنَا إِلَّا قُرْصٌ عَمِلَتْهُ أُمُّ سُلَيْمٍ» "، وَفِي أُخْرَى: " «إِنَّمَا أَرْسَلْتُ أَنَسًا يَدْعُوكَ وَحْدَكَ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَنَا مَا يُشْبِعُ مَنْ أَرَى، فَقَالَ: ادْخُلْ فَإِنَّ اللَّهَ سَيُبَارِكُ فِيمَا عِنْدَكَ» "، (فَأَقْبَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَبُو طَلْحَةَ مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا) ، وَقَعَدَ مَنْ مَعَهُ عَلَى الْبَابِ، (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَلُمِّي) - بِالْيَاءِ عَلَى لُغَةِ تَمِيمٍ - وَفِي رِوَايَةٍ: هَلُمَّ بِلَا يَاءٍ عَلَى لُغَةِ الْحِجَازِ لَا يُثَنَّى، وَلَا يُجْمَعُ، وَلَا يُؤَنَّثُ، وَمِنْهُ: " هَلُمَّ إِلَيْنَا "، وَالْمُرَادُ: الطَّلَبُ، أَيْ هَاتِ (يَا أُمَّ سُلَيْمٍ مَا عِنْدَكِ) ، وَفِيهِ أَنَّ الصَّدِيقَ يَأْمُرُ فِي دَارِ صَدِيقِهِ بِمَا يُحِبُّ وَيُظْهِرُ الْأَمْرَ وَالنَّهْيَ.

وَالتَّحَكُّمُ لِآمِرِهِ بِفَتِّ الْخُبْزِ، وَقَوْلُ: هَلُمِّي مَا عِنْدَكِ، وَهَذَا خُلُقٌ كَرِيمٌ رَفِيعٌ، وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْعَلَوِيُّ حِينَ افْتَخَرَ فَقَالَ:

يَسْتَأْنِسُ الضَّيْفُ فِي أَبْيَاتِنَا أَبَدًا ... فَلَيْسَ يَعْرِفُ خَلْقٌ أَيَّنَا الضَّيْفُ

(فَأَتَتْ) بِذَلِكَ الْخُبْزِ الَّذِي كَانَتْ أَرْسَلَتْهُ مَعَ أَنَسٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَمَّا أَخْبَرَهَا أَخَذَتْهُ مِنْهُ وَأَنَّهُ

<<  <  ج: ص:  >  >>