الْفَصْلُ الثَّالِثُ
٦٤٩ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا، قَالَ: «كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ فَيَتَحَيَّنُونَ لِلصَّلَاةِ، وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا أَحَدٌ، فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ، فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْنًا مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ. فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلَالُ! قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
٦٤٩ - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ الْمُسْلِمُونَ حِينَ قَدِمُوا الْمَدِينَةَ يَجْتَمِعُونَ) : أَيْ: فِي الْمَسْجِدِ (فَيَتَحَيَّنُونَ) : أَيْ: يُقَدِّرُونَ حِينَ الصَّلَاةِ، وَيُعَيِّنُونَ وَقْتَهَا بِالتَّقْدِيرِ وَالتَّخْمِينِ، لِيَأْتُوا فِيهِ (لِلصَّلَاةِ) : أَيْ: لِتَحْصِيلِ صَلَاةِ الْجَمَاعَةِ مُتَعَلِّقٌ بِالْفِعْلَيْنِ عَلَى طَرِيقِ التَّنَازُعِ (وَلَيْسَ يُنَادِي بِهَا) : أَيْ: بِالصَّلَاةِ (أَحَدٌ فَتَكَلَّمُوا يَوْمًا فِي ذَلِكَ) : أَيْ: فِي إِشْكَالِهِ أَوْ مُعَالَجَتِهِ (فَقَالَ بَعْضُهُمُ: اتَّخِذُوا) : بِصِيغَةِ الْأَمْرِ (مِثْلَ نَاقُوسِ النَّصَارَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَرْنًا) : أَيْ:، بَلِ اتَّخِذُوا قَرْنًا (مِثْلَ قَرْنِ الْيَهُودِ) : وَكَانَ بَعْضُهُمْ قَالَ: اتَّخِذُوا نَارًا مِثْلَ نَارِ بَعْضِ الْيَهُودِ، فَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ (فَقَالَ عُمَرُ: أَوَلَا تَبْعَثُونَ) الْوَاوُ عَطْفٌ عَلَى مُقَدَّرٍ أَيْ: تَقُولُونَ. بِمُوَافَقَةِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَلَا تَبْعَثُونَ وَالْهَمْزَةُ لِإِنْكَارِ الْجُمْلَةِ الْأُولَى، وَمُقَرِّرَةٌ لِلثَّانِيَةِ حَثًّا وَبَعْثًا أَيْ: أَرْسِلُوا (رَجُلًا يُنَادِي بِالصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (يَا بِلَالُ قُمْ فَنَادِ بِالصَّلَاةِ) : أَيْ: بِالصَّلَاةِ جَامِعَةٌ لِمَا فِي مُرْسَلٍ عِنْدَ أَبِي سَعِيدٍ: «أَنَّ بِلَالًا كَانَ يُنَادِي بِقَوْلِهِ: الصَّلَاةُ جَامِعَةٌ، ثُمَّ شَرَعَ الْأَذَانَ» . وَفِي شَرْحِ مُسْلِمٍ عَنِ الْقَاضِي عِيَاضٍ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ إِعْلَامٌ وَإِخْبَارٌ بِحُضُورِ وَقْتِهَا، وَلَيْسَ عَلَى صِفَةِ الْأَذَانِ الشَّرْعِيِّ. قَالَ النَّوَوِيُّ: هَذَا هُوَ الْحَقُّ لِمَا يُؤْذِنُ بِوَجْهِ التَّوْفِيقِ بَيْنَ هَذَا وَبَيْنَ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ: أَنَّهُ رَأَى الْأَذَانَ فِي الْمَنَامِ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ هَذَا فِي مَجْلِسٍ آخَرَ، فَيَكُونُ الْوَاقِعُ أَوَّلًا الْإِعْلَامَ، ثُمَّ رُؤْيَةَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ، فَشَرَعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِمَّا بِوَحْيٍ أَوِ اجْتِهَادٍ عِنْدَ مَنْ يُجَوِّزُهُ عَلَيْهِ وَهُمُ الْجُمْهُورُ، وَلَيْسَ هُوَ عَمَلًا بِمُجَرَّدِ الْمَنَامِ، وَهَذَا مِمَّا لَا شَكَّ فِيهِ بِلَا خِلَافٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: إِذْ رُؤْيَةُ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - لَا يُبْتَنَى عَلَيْهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ، بَلْ بِالِاجْتِهَادِ أَوِ الْوَحْيِ، وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّازِقِ وَأَبِي دَاوُدَ فِي الْمَرَاسِيلِ مِنْ طَرِيقِ بَعْضِ أَكَابِرِ التَّابِعِينَ: «أَنَّ عُمَرَ لَمَّا رَأَى الْأَذَانَ جَاءَ لِيُخْبِرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَوَجَدَ الْوَحْيَ قَدْ وَرَدَ بِذَلِكَ، فَمَا رَاعَهُ إِلَّا أَذَانُ بِلَالٍ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (فَذَلِكَ الْوَحْيُ) » وَهَذَا أَصَحُّ مِمَّا حَكَى الدَّاوُدِيُّ أَنَّ جِبْرِيلَ أَتَى بِهِ قَبْلَ هَذِهِ الرُّؤْيَا بِثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ. وَأَجَابَ السُّهَيْلِيُّ عَنْ حِكْمَةِ تَرَتُّبِ الْأَذَانِ دُونَ سَائِرِ الْأَحْكَامِ عَلَى رُؤْيَا بَعْضِ الصَّحَابَةِ، وَقَوْلُهُ: إِنَّهَا رُؤْيَا حَقٍّ بِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيَهُ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ، فَقَدْ رَوَى الْبَزَّارُ عَنْ عَلِيٍّ: «لَمَّا أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يُعَلِّمَ رَسُولَهُ الْأَذَانَ جَاءَهُ جِبْرِيلُ بِالْبُرَاقِ، فَلَمَّا اخْتَرَقَ الْحُجُبَ خَرَجَ لَهُ مَلَكٌ، فَسَأَلَ جِبْرِيلَ عَنْهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَرَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُ الْمَلَكُ: اللَّهُ أَكْبَرُ اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ تَعَالَى: صَدَقَ عَبْدِي أَنَا أَكْبَرُ أَنَا أَكْبَرُ، وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْأَذَانِ» . قَالَ السُّهَيْلِيُّ: وَهَذَا أَقْوَى مِنَ الْوَحْيِ، فَلَمَّا تَأَخَّرَ الْأَذَانُ إِلَى الْمَدِينَةِ، وَأَرَادَ إِعْلَامَ النَّاسِ بِوَقْتِ الصَّلَاةِ، فَلَبِثَ الْوَحْيُ حَتَّى رَأَى عَبْدُ اللَّهِ الرُّؤْيَا، فَوَافَقَتْ مَا رَآهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلِذَلِكَ قَالَ: رُؤْيَا حَقٍّ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، وَعَلِمَ حِينَئِذٍ أَنَّ مُرَادَ اللَّهِ تَعَالَى بِمَا أَرَاهُ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَكُونَ سُنَّةً فِي الْأَرْضِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute