[بَابُ الْوَلِيِّ فِي النِّكَاحِ وَاسْتِئْذَانِ الْمَرْأَةِ]
(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)
٣١٢٦ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تُنْكَحُ الْأَيِّمُ حَتَّى تُسْتَأْمَرَ وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ حَتَّى تُسْتَأْذَنَ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ إِذْنُهَا؟ قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ
ــ
(بَابٌ الْوَلِيُّ فِي النِّكَاحِ، وَاسْتِئْذَانُ الْمَرْأَةِ)
عَطْفٌ عَلَى الْوَلِيِّ، فِي النِّهَايَةِ: وَلِيُّ الْمَرْأَةِ مُتَوَلِّي أَمْرِهَا، قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْوَلِيُّ هُوَ الْعَاقِلُ الْبَالِغُ الْوَارِثُ فَخَرَجَ الصَّبِيُّ وَالْمَعْتُوهُ وَالْعَبْدُ وَالْكَافِرُ عَلَى الْمُسْلِمَةِ، وَالْوِلَايَةُ فِي النِّكَاحِ نَوْعَانِ وِلَايَةُ نَدْبٍ وَاسْتِحْبَابٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الْعَاقِلَةِ الْبَالِغُ بَكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا، وَوِلَايَةُ إِجْبَارٍ وَهُوَ الْوِلَايَةُ عَلَى الصَّغِيرَةِ بِكْرًا كَانَتْ أَوْ ثَيِّبًا وَكَذَا الْكَبِيرَةُ الْمَعْتُوهَةُ وَالْمَرْقُوقَةُ.
٣١٢٦ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: لَا تُنْكَحُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ نَفْيًا لِلْمُبَالَغَةِ أَوْ نَهْيًا (الْأَيِّمُ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ الْمَكْسُورَةِ امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ قَالَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ هُنَا الثَّيِّبُ الْبَالِغَةُ لِقَوْلِهِ: (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ أَيْ حَتَّى تَسْتَأْذِنَ صَرِيحًا إِذِ الِاسْتِئْمَارُ طَلَبُ الْأَمْرِ، وَالْأَمْرُ لَا يَكُونُ إِلَّا بِالنُّطْقِ، قِيلَ هَذَا يَقْتَضِي اشْتِرَاطَ نُطْقِ الْبِكْرِ الزَّائِلِ بَكَارَتُهَا بِزِنًا أَوْ وَثْبَةٍ وَنَحْوِهِمَا ; لِأَنَّهَا ثَيِّبٌ وَالْمُرَادُ بِالْأَيِّمِ الثَّيِّبُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ ; فَإِنَّ حُكْمَهَا حُكْمُ الْبِكْرِ عِنْدَهُ فِي أَنَّ سُكُوتَهَا إِذْنٌ. أُجِيبُ بِأَنَّهُ عَامٌّ خُصَّ مِنْهُ الْمَجْنُونَةُ وَالصَّغِيرَةُ وَالْأَمَةُ فَتُخَصُّ مِنْهُ أَيْضًا هَذِهِ، وَقِيلَ: هَذَا بِإِطْلَاقِهِ حُجَّةٌ لِلشَّافِعِيِّ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ إِجْبَارَ الْوَلِيِّ الثَّيِّبَ الصَّغِيرَةَ عَلَى النِّكَاحِ، وَمَعْنَى الْإِجْبَارِ أَنْ يُبَاشِرَ الْعَقْدَ فَيُنَفِّذُ عَلَيْهَا شَاءَتْ أَوْ أَبَتْ وَمَدَارُ إِجْبَارِ الْوَلِيِّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - عَلَى الصِّغَرِ بِكْرًا وَثَيِّبًا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيَّةِ عَلَى الْبَكَارَةِ صَغِيرَةٌ أَوْ كَبِيرَةٌ (وَلَا تُنْكَحُ الْبِكْرُ) أَيِ الْبَالِغَةُ (حَتَّى تُسْتَأْذَنَ) أَيْ: يُطْلَبُ مِنْهَا الْإِذْنُ لِقَوْلِهِ: وَإِذْنُهَا صِمَاتُهَا، وَقِيلَ: الِاسْتِئْذَانُ الْإِعْلَامُ وَهَذَا لِإِطْلَاقِهِ حُجَّهٌ لِأَبِي حَنِيفَةَ فِي عَدَمِ تَجْوِيزِهِ إِجْبَارَ الْبِكْرِ الْبَالِغَةِ (قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَكَيْفَ إِذْنُهَا) أَيْ: الْبِكْرِ وَهِيَ كَثِيرَةُ الْحَيَاءِ (قَالَ: أَنْ تَسْكُتَ) أَيْ: إِذْنُهَا سُكُوتُهَا اخْتُلِفَ فِي أَنَّ السُّكُوتَ مِنَ الْبِكْرِ يَقُومُ مَقَامَ الْإِذْنِ فِي حَقِّ جَمِيعِ الْأَوْلِيَاءِ أَوْ فِي حَقِّ الْأَبِ وَالْجَدِّ دُونَ غَيْرِهِمَا، وَإِلَى الْأَوَّلِ ذَهَبَ الْأَكْثَرُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ (مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) قَالَ الْقَاضِي: " وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ لِلْمَوْلَى أَنْ يُزَوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ مِنْ غَيْرِ اسْتِئْذَانٍ وَمُرَاجَعَةٍ وَوُقُوفٍ وَإِطْلَاعٍ عَلَى أَنَّهَا رَاضِيَةٌ بِتَصْرِيحِ إِذْنٍ مِنَ الثَّيِّبِ وَبِسُكُوتٍ مِنَ الْبِكْرِ لِأَنَّ الْغَالِبَ مِنْ حَالِهَا أَنْ لَا تُظْهِرَ إِرَادَةَ النِّكَاحِ حَيَاءً، وَلِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا الْمَقَامِ تَفْصِيلٌ وَاخْتِلَافٌ فَذَهَبُوا جَمِيعًا إِلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَزْوِيجُ الثَّيِّبِ الْبَالِغَةِ الْعَاقِلَةِ دُونَ إِذْنِهَا وَيَجُوزُ لِلْأَبِ وَالْجَدِّ تَزْوِيجُ الْبِكْرِ الصَّغِيرَةِ وَخَصُّوا هَذَا الْحَدِيثَ فِيهِ بِمَا صَحَّ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ زَوَّجَ عَائِشَةَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَمْ تَكُنْ بَعْدُ بَالِغَةً وَاخْتَلَفُوا فِي غَيْرِهِمَا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute