[بَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٣٤٠٦ - عَنِ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -: «أَكْثَرُ مَا كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْلِفُ: " لَا، وَمُقَلِّبِ الْقُلُوبِ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
[١٤] بَابُ الْأَيْمَانِ وَالنُّذُورِ إِنَّمَا أُلْحِقَ النَّذْرُ بِالْيَمِينِ ; لِأَنَّ حُكْمَهُمَا وَاحِدٌ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ. قَالَ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا وَلَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ ". رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَالْأَيْمَانُ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ جَمْعُ يَمِينٍ وَهِيَ عَلَى مَا فِي الْمُغْرِبِ خِلَافُ الْيَسَارِ، وَإِنَّمَا سُمِّيَ الْقَسَمُ يَمِينًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَحُونَ بِأَيْمَانِهِمْ حَالَةَ التَّحَالُفِ، وَقَدْ يُسَمَّى الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ يَمِينًا لِتَلَبُّسِهِ بِهَا. وَهِيَ مُؤَنَّثَةٌ فِي جَمِيعِ الْمَعَانِي، وَيُجْمَعُ عَلَى أَيْمُنٍ كَرَغِيفٍ وَأَرْغُفٍ، وَأَيْمٌ مَحْذُوفٌ مِنْهُ وَالْهَمْزَةُ لِلْقَطْعِ، وَهُوَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ، وَإِلَيْهِ ذَهَبَ الزَّجَّاجُ، وَعِنْدَ سِيبَوَيْهِ هِيَ كَلِمَةٌ بِنَفْسِهَا وُضِعَتْ لِلْقَسَمِ لَيْسَتْ جَمْعًا لِشَيْءٍ وَالْهَمْزَةُ فِيهَا لِلْوَصْلِ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْيَمِينُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْجَارِحَةِ وَالْقَسَمِ، وَالْقُوَّةُ لُغَةٌ وَالْأَوَّلَانِ ظَاهِرَانِ وَشَاهِدُ الْقُوَّةِ قَوْلُهُ تَعَالَى جَلَّ شَأْنُهُ: {لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ} [الحاقة: ٤٥] ثُمَّ فِي قَوْلِهِمْ: إِنَّمَا سُمِّيَ الْقَسَمُ يَمِينًا لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْيَمِينَ هُوَ الْقُوَّةُ وَالْحَالِفُ يَتَقَوَّى بِالْأَقْسَامِ عَلَى الْحَمْلِ أَوِ الْمَنْعِ، وَالثَّانِي: أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَمَاسَكُونَ بِأَيْمَانِهِمْ عِنْدَ قَسَمِهِمْ، فَسُمِّيَتْ بِذَلِكَ بَعْدُ. إِذْ فِيهِ لَفْظٌ مَنْقُولٌ عَنْ مَفْهُومِهِ اللُّغَوِيِّ، وَسَبَبُهَا الْعَادِيُّ تَارَةً إِيقَاعُ صِدْقِهِ فِي نَفْسِ السَّامِعِ، وَتَارَةً حَمْلُ نَفْسِهِ أَوْ غَيْرِهِ عَلَى الْفِعْلِ أَوِ التَّرْكِ، فَبَيْنَ الْمَفْهُومِ اللُّغَوِيِّ وَالشَّرْعِيِّ عُمُومٌ مِنْ وَجْهٍ لِتَصَادُقِهِمَا فِي الْيَمِينِ بِاللَّهِ، ثُمَّ قِيلَ: يُكْرَهُ الْحَلِفُ بِالطَّلَاقِ وَالْعِتَاقِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ -: " «مَنْ كَانَ حَالِفًا فَلْيَحْلِفْ بِاللَّهِ» ". الْحَدِيثَ وَالْأَكْثَرُ عَلَى أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ لِأَنَّهُ يَمْنَعُ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ، وَحَلُّ الْحَدِيثِ غَيْرُ التَّعْلِيقِ مِمَّا هُوَ بِحُرُوفِ الْقَسَمِ، وَرُكْنُهَا اللَّفْظُ الْخَاصُّ، وَشَرْطُهَا الْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ، وَحُكْمُهَا الَّذِي يَلْزَمُ وُجُودُهَا وُجُوبُ الْبِرِّ فِيمَا إِذَا عُقِدَتْ عَلَى طَاعَةٍ أَوْ تَرْكِ مَعْصِيَةٍ، فَيَثْبُتُ وُجُوبًا لِأَمْرَيْنِ: الْفِعْلُ وَالْبِرُّ، وَوُجُوبُ الْحِنْثِ فِي الْحَلِفِ عَلَى ضِدِّهِمَا وَنَدْبُهُ فِيمَا إِذَا كَانَ عَدَمُ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ جَائِزًا، وَإِذَا حَنِثَ إِذْ يَحْرُمُ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ، ثُمَّ الْحَلِفُ بِاسْمِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَتَقَيَّدُ بِالْعُرْفِ، بَلْ هُوَ يَمِينٌ تَعَارَفُوهُ أَوْ يَتَعَارَفُوهُ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنْ مَذْهَبِ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ قَوْلُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute