[بَابُ الْقَصْدِ فِي الْعَمَلِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١٢٤١ - عَنْ أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى يُظَنَّ أَنْ لَا يَصُومَ مِنْهُ، وَيَصُومُ حَتَّى يُظَنَّ أَنْ لَا يُفْطِرَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكَانَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ» . رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
[٣٤] بَابُ الْقَصْدِ
أَيِ: الِاقْتِصَادُ وَالتَّوَسُّطُ بَيْنَ الْإِفْرَاطِ وَالتَّفْرِيطِ (فِي الْعَمَلِ) ، أَيْ: عَمَلُ النَّوَافِلِ.
١٢٤١ - (عَنْ أَنَسٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُفْطِرُ مِنَ الشَّهْرِ) أَيْ أَيَّامًا كَثِيرَةً (حَتَّى نَظُنَّ) ، أَيْ: نَحْنُ، وَفِي نُسْخَةٍ: يُظَنُّ بِالتَّحْتَانِيَّةِ وَالْبِنَاءِ لِلْمَجْهُولِ، وَقِيلَ: يَجُوزُ بِالْمُثَنَّاةِ عَلَى الْمُخَاطَبَةِ. (أَنْ لَا يَصُومَ) : بِالنَّصْبِ، وَقِيلَ بِالرَّفْعِ، وَوَجْهُهُ أَنْ تَكُونَ مُخَفَّفَةً مِنَ الْمُثَقَّلَةِ (مِنْهُ) ، أَيْ: مِنَ الشَّهْرِ (شَيْئًا) : يَعْنِي يُفْطِرُ كَثِيرًا مِنَ الشَّهْرِ، حَتَّى نَظُنَّ أَنَّهُ لَا يَصُومُ مِنْهُ شَيْئًا، ثُمَّ يَصُومُ بَاقِيَهُ كُلَّهُ أَوْ بَعْضَهُ، (وَيَصُومُ) ، أَيْ: وَكَذَا يَصُومُ كَثِيرًا، أَيْ مِنْ ذَلِكَ الشَّهْرِ، أَوْ مِنْ شَهْرٍ آخَرَ (حَتَّى نَظُنَّ) : بِالْوَجْهَيْنِ (أَنْ لَا يُفْطِرَ) : بِالْإِعْرَابَيْنِ (مِنْهُ) ، أَيْ: مِنَ الشَّهْرِ (شَيْئًا) ، أَيْ: ثُمَّ يَصُومُ بَاقِيَهُ (وَكَانَ لَا تَشَاءُ) : قَالَ الْمُظْهِرُ: " لَا " بِمَعْنَى " لَيْسَ " أَوْ بِمَعْنَى " لَمْ "، أَيْ لَسْتَ تَشَاءُ، أَوْ لَمْ تَكُنْ تَشَاءُ، أَوْ لَا زَمَانَ تَشَاءُ، أَوْ لَا مِنْ زَمَانٍ تَشَاءُ (أَنْ تَرَاهُ) ، أَيْ: رُؤْيَتُهُ فِيهِ (مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ) ، أَيْ: نَائِمًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ قَالَهُمَا ابْنُ الْمَلَكِ. وَالظَّاهِرُ أَنَّ التَّقْدِيرَ رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا، وَكَذَا قَدَّرَهُ ابْنُ حَجَرٍ. (وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ) ، أَيْ: نَائِمًا أَوْ غَيْرَ مُصَلٍّ، وَعَلَى قَوْلِ ابْنِ الْمَلَكِ يُقَدَّرُ مُصَلِّيًا، قَالَ الطِّيبِيُّ: هَذَا التَّرْكِيبُ مِنْ بَابِ الِاسْتِثْنَاءِ عَلَى الْبَدَلِ، وَتَقْدِيرُهُ عَلَى الْإِثْبَاتِ أَنْ يُقَالَ: إِنْ تَشَأْ رُؤْيَتَهُ مُتَهَجِّدًا رَأَيْتَهُ مُتَهَجِّدًا، وَإِنْ تَشَأْ رُؤْيَتَهُ نَائِمًا رَأَيْتَهُ نَائِمًا، أَيْ: كَانَ أَمْرُهُ قَصْدًا لَا إِسْرَافَ فِيهِ وَلَا تَقْصِيرَ، يَنَامُ فِي وَقْتِ النَّوْمِ وَهُوَ أَوَّلُ اللَّيْلِ، وَيَتَهَجَّدُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ آخِرُهُ، وَعَلَى هَذَا حِكَايَةُ الصَّوْمِ، وَيَشْهَدُ لَهُ حَدِيثُ ثَلَاثَةِ رَهْطٍ عَلَى مَا رَوَى أَنَسٌ قَالَ أَحَدُهُمْ: أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي اللَّيْلَ أَبَدًا، وَقَالَ الْآخَرُ: أَصُومُ النَّهَارَ أَبَدًا وَلَا أُفْطِرُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " أَمَّا أَنَا فَأُصَلِّي وَأَنَامُ وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي " ذَكَرَهُ مِيرَكُ. (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) .
قُلْتُ: وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ فِي الشَّمَائِلِ عَنْ أَنَسٍ، «سُئِلَ عَنْ صَوْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: كَانَ يَصُومُ مِنَ الشَّهْرِ حَتَّى نَرَى أَنْ لَا يُرِيدَ أَنْ يُفْطِرَ مِنْهُ، وَيُفْطِرُ مِنْهُ حَتَّى نَرَى أَنْ لَا يُرِيدَ أَنْ يَصُومَ مِنْهُ شَيْئًا، وَكُنْتَ لَا تَشَاءُ أَنْ تَرَاهُ مِنَ اللَّيْلِ مُصَلِّيًا إِلَّا رَأَيْتَهُ مُصَلِّيًا، وَلَا نَائِمًا إِلَّا رَأَيْتَهُ نَائِمًا» . اهـ. وَبِهَذَا اتَّضَحَ تَصْوِيبُ مَا قَرَّرْنَاهُ فِي الْحَدِيثِ سَابِقًا.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute