[بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
١١٥٩ - عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً ; بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ: أَرْبَعًا قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، " وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعَشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ» ". رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ. وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ أَنَّهَا قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " «مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ ثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا غَيْرَ فَرِيضَةٍ ; إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ» ".
[٣٠ -] بَابُ السُّنَنِ وَفَضَائِلِهَا
أَيِ الْمُؤَكَّدَةِ وَالْمُسْتَحَبَّةِ (وَفَضَائِلِهَا) : فِي أَوْقَاتِهَا الْمَذْكُورَةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ السُّنَّةَ، وَالنَّفْلَ، وَالتَّطَوُّعَ، وَالْمَنْدُوبَ، وَالْمُسْتَحَبَّ، وَالْمُرَغَّبَ فِيهِ، وَالْحَسَنَ أَلْفَاظٌ مُتَرَادِفَةٌ مَعْنَاهَا وَاحِدٌ، وَهُوَ مَا رَجَّحَ الشَّارِعُ فِعْلَهُ عَلَى تَرْكِهِ، وَجَازَ تَرْكُهُ. وَإِنْ كَانَ بَعْضُ الْمَسْنُونِ آكَدُ مِنْ بَعْضٍ اتِّفَاقًا.
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: " «أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلَحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَأَجْنَحَ وَخَسِرَ، فَإِنِ انْتَقَصَ مِنْ فَرِيضَتِهِ شَيْئًا قَالَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: انْظُرُوا هَلْ لِعَبْدِي مِنْ تَطَوُّعٍ فَيُكَمَّلُ بِهِ مَا انْتَقَصَ مِنَ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ يَكُونُ سَائِرُ عَمَلِهِ عَلَى ذَلِكَ» "، قَالَ النَّوَوِيُّ: تَصِحُّ النَّوَافِلُ وَتُقْبَلُ، وَإِنْ كَانَتِ الْفَرِيضَةُ نَاقِصَةً لِهَذَا الْحَدِيثِ، وَخَبَرُ: لَا تُقْبَلُ نَافِلَةُ الْمُصَلِّي حَتَّى يُؤَدِّيَ الْفَرِيضَةَ: ضَعِيفٌ، وَلَوْ صَحَّ حُمِلَ عَلَى الرَّاتِبَةِ الْبَعْدِيَّةِ لِتَوَقُّفِ صِحَّتِهَا عَلَى صِحَّةِ الْفَرْضِ اهـ. وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَوَقَّفُ صِحَّةُ ذَاتِهَا، بَلْ يَتَوَقَّفُ بَعْدِيَّتُهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَقَوْلُ غَيْرِهِ لَا تَصِحُّ النَّافِلَةُ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَائِتَةٌ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا. ضَعِيفٌ ; لِأَنَّهُ وَإِنْ أَثِمَ فَإِثْمُهُ لِأَمْرٍ خَارِجٍ، وَهُوَ لَا يَقْتَضِي الْبُطْلَانَ.
١١٥٩ - (عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ) : وَهِيَ أُخْتُ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ، زَوْجَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «مَنْ صَلَّى فِي يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ ثْنَتَيْ عَشْرَةَ» ) : بِسُكُونِ الشِّينِ وَتُكْسَرُ (رَكْعَةً) : بِسُكُونِ الْكَافِ، وَإِنَّمَا ذَكَرْتُ ذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ مِنَ الْوَاضِحَاتِ ; لِأَنَّهَا عَلَى أَلْسِنَةِ كَثِيرٍ مِنَ الْعَوَامِّ تَجْرِي بِفَتْحِهَا لِكَوْنِ جَمْعِهَا كَذَلِكَ، (بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) : مُشْتَمِلٌ عَلَى أَنْوَاعٍ مِنَ النِّعْمَةِ (أَرْبَعًا) : بَدَلُ تَفْصِيلٍ (قَبْلَ الظُّهْرِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَهَا، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، وَرَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْعِشَاءِ، وَرَكْعَتَيْنِ قَبْلَ صَلَاةِ الْفَجْرِ) : وَكُلُّهَا مُؤَكَّدَةٌ وَآخِرُهُ آكَدُهَا حَتَّى قِيلَ بِوُجُوبِهَا، قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَهُوَ صَرِيحٌ فِي رَدِّ قَوْلِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَبَعْضِ الْحَنَفِيَّةِ بِوُجُوبِ رَكْعَتَيِ الْفَجْرِ، وَفِي رَدِّ قَوْلِ الْحَسَنِ أَيْضًا بِوُجُوبِ الرَّكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْمَغْرِبِ، قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: لَوْ تَرَكْتُهَا لَخَشِيتُ أَنْ لَا يُغْفَرَ لِي. (رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ) : وَفِيهِ اعْتِرَاضٌ عَلَى صَاحِبِ الْمَصَابِيحِ حَيْثُ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَتَرَكَ الصَّحِيحَ الْآتِي.
(وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ) : وَفِي نُسْخَةٍ لِمُسْلِمٍ (أَنَّهَا) أَيْ: أَمُّ حَبِيبَةَ (قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " مَا مِنْ عَبْدٍ مُسْلِمٍ يُصَلِّي لِلَّهِ كُلَّ يَوْمٍ) أَيْ: وَلَيْلَةٍ (ثْنَتَيْ عَشْرَةَ رَكْعَةً تَطَوُّعًا) : وَهُوَ مَا لَيْسَ بِفَرِيضَةٍ، وَالْمُرَادُ هُنَا السُّنَّةُ، قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ. (غَيْرُ فَرِيضَةٍ) : قَالَ الطِّيبِيُّ: تَأْكِيدٌ لِلتَّطَوُّعِ، فَإِنَّ التَّطَوُّعَ التَّبَرُّعُ مِنْ نَفْسِهِ بِفِعْلٍ مِنَ الطَّاعَةِ وَهِيَ قِسْمَانِ: رَاتِبَةٌ وَهِيَ الَّتِي دَاوَمَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَغَيْرُ رَاتِبَةٍ وَهَذَا مِنَ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ، وَالرُّتُوبُ الدَّوَامُ اهـ.
أَوْ مَعْنَاهُ طَوْعًا وَرَغْبَةً لَا رِيَاءً وَسُمْعَةً، فَيَكُونُ غَيْرَ فَرِيضَةٍ بَدَلًا أَوْ بَيَانًا أَوْ حَالًا مِنَ الْمَفْعُولِ. (إِلَّا بَنَى اللَّهُ لَهُ بَيْتًا فِي الْجَنَّةِ أَوْ إِلَّا بُنِيَ لَهُ بَيْتٌ فِي الْجَنَّةِ) : قَالَ مِيرَكُ: وَرَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ اهـ. فَكَانَ حَقُّ مُحْيِي السُّنَّةِ أَنْ يَذْكُرَ حَدِيثَ مُسْلِمٍ فِي الصِّحَاحِ، وَحَدِيثَ التِّرْمِذِيِّ فِي الْحِسَانِ، لِيَكُونَ لِإِجْمَالِ مُسْلِمٍ كَالْبَيَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute