للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ]

ــ

(٧) بَابُ الْمَسَاجِدِ وَمَوَاضِعِ الصَّلَاةِ

تَعْمِيمٌ بَعْدَ تَخْصِيصٍ أَوْ عَطْفُ تَفْسِيرٍ، وَالْمَسْجِدُ لُغَةً مَحَلُّ السُّجُودِ، وَشَرْعًا: الْمَحَلُّ الْمَوْقُوفُ لِلصَّلَاةِ فِيهِ، وَقِيلَ: الْأَرْضُ كُلُّهَا لِخَبَرِ: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا» . وَرُدَّ: بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْمَسْجِدِ فِيهِ، مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ ; احْتِرَازًا مِنْ بَقِيَّةِ الْأَنَامِ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا لَا تَجُوزُ لَهُمُ الصَّلَاةُ إِلَّا فِي بِيَعِهِمْ وَكَنَائِسِهِمْ، كَمَا جَاءَ فِي رِوَايَةٍ، وَفِي أُخْرَى عِنْدَ الْبَزَّارِ: وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ يُصَلِّي حَتَّى يَبْلُغَ مِحْرَابَهُ. وَقَدْ رَوَى ابْنُ أَبَى شَيْبَةَ: «أَنَّ أَبَا ذَرٍّ قَالَ لِابْنِهِ: يَا بُنَيَّ لِيَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَكَ ; فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ الْمُتَّقِينَ، فَمَنْ يَكُنِ الْمَسْجِدُ بَيْتَهُ ; تَضَمَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ الرَّوْحَ وَالرَّحْمَةَ وَالْجَوَازَ عَلَى الصِّرَاطِ إِلَى الْجَنَّةِ» ) . وَعَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَعْقِلٍ: كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ الْمَسْجِدَ حِصْنٌ حَصِينٌ مِنَ الشَّيْطَانِ. وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ: الْمَسَاجِدُ بُيُوتُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَحَقٌّ عَلَى الْمَزُورِ أَنْ يُكْرِمَ زَائِرَهُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: وَلَا يُعَارِضُ خَبَرَ أَبِي دَاوُدَ. وَابْنُ خُزَيْمَةَ فِي صَحِيحِهِ: «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ نَقْرِ الْغُرَابِ، وَافْتِرَاشِ السَّبْعِ، وَأَنْ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمُقَامَ أَيِ: الْمَكَانَ مِنَ الْمَسْجِدِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرَ» . وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ: «وَأَنَّ يُوَطِّنَ الرَّجُلُ الْمُقَامَ لِلصَّلَاةِ كَمَا يُوَطِّنُ الْبَعِيرَ» ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ مَدَارُهُ عَلَى تَمِيمِ بْنِ مَحْمُودٍ، وَقَدْ نَظَرَ فِيهِ الْبُخَارِيُّ، وَأَجَابَ عَنْهُ ابْنُ حُبَابٍ عَلَى تَسْلِيمِ صِحَّتِهِ بِأَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنِ اتِّخَاذِ مَحَلٍّ وَاحِدٍ مِنَ الْمَسْجِدِ لِغَيْرِ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَاسْتَدَلَّ لِذَلِكَ بِمَا أَخْرَجَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( «لَا يُوطِنُ الرَّجُلُ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ، وَإِلَّا تَبَشْبَشَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا يَتَبَشْبَشُ أَهْلُ الْغَائِبِ إِذَا قَدِمَ عَلَيْهِمْ غَائِبُهُمْ» ) . وَالتَّبَشْبُشُ مَعْنَاهُ هُنَا: أَنَّهُ يَنْظُرُ إِلَيْهِ بِالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ اهـ. وَالظَّاهِرُ فِي الْجَوَابِ أَنَّ النَّهْيَ إِنَّمَا هُوَ عَنِ اتِّخَاذِ مَكَانٍ خَاصٍّ مِنَ الْمَسْجِدِ، وَلَوْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَالصَّلَاةِ، بِحَيْثُ إِنَّهُ لَا يَجْلِسُ فِي غَيْرِهِ، فَإِنَّهُ يَخَافُ عَلَيْهِ مِنَ الرِّيَاءِ، وَالْفَضَائِلُ مَحْمُولَةٌ عَلَى اتِّخَاذِ الْمَسْجِدِ مَسْكَنًا لِلصَّلَاةِ، وَذِكْرِ اللَّهِ، لَا لِغَرَضٍ آخَرَ مِنَ الْأَغْرَاضِ الدُّنْيَوِيَّةِ وَالْحُظُوظِ النَّفْسِيَّةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>