للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَابُ الِاسْتِغْفَارِ وَالتَّوْبَةِ]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٢٣٢٣ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " وَاللَّهِ إِنِّي لِأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِينَ مَرَّةً ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

(بَابُ الِاسْتِغْفَارِ)

أَيْ: طَلَبِ الْمَغْفِرَةِ، وَهُوَ قَدْ يَتَضَمَّنُ التَّوْبَةَ وَقَدْ لَا يَتَضَمَّنُ، وَلِذَا قَالَ: (وَالتَّوْبَةُ) : أَوِ: الِاسْتِغْفَارُ بِاللِّسَانِ، وَالتَّوْبَةُ بِالْجَنَانِ، وَهِيَ الرُّجُوعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ إِلَى الطَّاعَةِ، أَوْ مِنَ الْغَفْلَةِ إِلَى الذِّكْرِ، وَمِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى الْحُضُورِ، ثُمَّ هِيَ أَهَمُّ مَقَاصِدِ الشَّرِيعَةِ، وَأَوَّلُ مَقَامَاتِ سَالِكِي الْآخِرَةِ، وَالْمَغْفِرَةُ مِنْهُ تَعَالَى لِعَبْدِهِ سَتْرُهُ لِذَنْبِهِ فِي الدُّنْيَا، بِأَنْ لَا يُطْلِعَ عَلَيْهِ أَحَدًا، وَفِي الْآخِرَةِ بِأَنْ لَا يُعَاقِبَهُ عَلَيْهِ. قَالَ الطِّيبِيُّ: وَالتَّوْبَةُ فِي الشَّرْعِ تَرْكُ الذَّنْبِ لِقُبْحِهِ، وَالنَّدَمُ عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُ، وَالْعَزِيمَةُ عَلَى تَرْكِ الْمُعَاوَدَةِ وَتَدَارُكِ مَا أَمْكَنَهُ أَنْ يَتَدَارَكَ مِنَ الْأَعْمَالِ بِالْإِعَادَةِ. هَذَا كَلَامُ الرَّاغِبِ، وَزَادَ النَّوَوِيُّ وَقَالَ: إِنْ كَانَ الذَّنْبُ مُتَعَلِّقًا بِبَنِي آدَمَ، فَلَهَا شَرْطٌ آخَرُ، وَهُوَ رَدُّ الْمَظْلَمَةِ إِلَى صَاحِبِهَا أَوْ تَحْصِيلُ الْبَرَاءَةِ مِنْهُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: ثُمَّ إِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَقٌّ كَقَضَاءِ صَلَاةٍ فَلَا يُسَامَحُ بِصَرْفِ وَقْتٍ فِي نَفْلٍ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ لَمْ يَتَعَيَّنْ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الْخُرُوجَ مِنَ الْفِسْقِ مُتَوَقِّفٌ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْ ذَلِكَ، فَمَتَى تَنَفَّلَ مَثَلًا كَانَ بَاقِيًا فِي الْفِسْقِ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الْخُرُوجِ مِنْهُ، وَالْبَقَاءُ فِيهِ مَعَ ذَلِكَ فِسْقٌ كَمَا هُوَ وَاضِحٌ. قُلْتُ: كَمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ - تَعَالَى -: {وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الحجرات: ١١] قَالَ: يَتَسَامَحُ فِي صَرْفِ الْوَقْتِ إِلَى كَسْبِ مَا يَقُومُ بِمُؤَنِهِ وَمُؤَنِ مَنْ تَلْزَمُهُ مُؤْنَتُهُمْ، لِأَنَّ ذَلِكَ ضَرُورِيٌّ لَا فِي أَزْيَدَ مِنْ ذَلِكَ، وَهَذَا تَفْصِيلٌ حَسَنٌ مِنْهُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَكُنْتُ أَعْتَقِدُ بِمَضْمُونِهِ وَلَمْ أَرَ مَنْ صَرَّحَ بِهِ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

٢٣٢٣ - (عَنْ أَبَى هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ: " وَاللَّهِ) : قَسَمٌ لِتَأْكِيدِ الْخَبَرِ (إِنِّي لَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ) أَيْ: مِنْ تَقْصِيرِي فِي الطَّاعَةِ، أَوْ مِنْ رُؤْيَةِ نَفْسِي فِي الْعِبَادَةِ، وَلِذَا كَانَ يُعَقِّبُ صَلَاتَهُ بِالِاسْتِغْفَارِ عَلَى طَرِيقِ التَّرْجِيعِ وَالتَّكْرَارِ (وَأَتُوبُ إِلَيْهِ) أَيْ: أَرْجِعُ إِلَى أَحْكَامِهِ بَعْدَ إِحْكَامِ شَرَائِعِهِ وَإِعْلَامِهِ، وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِغْفَارُ إِيمَاءً إِلَى التَّفْرِقَةِ وَالتَّوْبَةُ إِلَيْهِ إِشَارَةً إِلَى الْجَمْعِ، أَوِ الِاسْتِغْفَارُ اشْتِغَالٌ بِالْخَلْقِ، وَالتَّوْبَةُ الْتِفَاتٌ إِلَى الْحَقِّ، وَهُوَ مَرْتَبَةٌ لِجَمْعِ الْجَمْعِ، أَوِ الِاسْتِغْفَارُ مُرَاقَبَةٌ وَالتَّوْبَةُ مُشَاهَدَةٌ، أَوِ الِاسْتِغْفَارُ فَنَاءٌ وَالتَّوْبَةُ بَقَاءٌ. (فِي الْيَوْمِ أَكْثَرَ مِنْ

<<  <  ج: ص:  >  >>