للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ]

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

١٩٩٩ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " «مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ» " رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

ــ

(بَابُ تَنْزِيهِ الصَّوْمِ)

أَيْ بَيَانُ مَا يَدُلُّ عَلَى مَا يَجِبُ تَبْعِيدُ الصَّوْمِ عَمَّا يُبْطِلُهُ أَوْ يُبْطِلُ ثَوَابَهُ أَوْ يَنْقُصُهُ.

(الْفَصْلُ الْأَوَّلُ)

١٩٩٩ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " مَنْ لَمْ يَدَعْ ") أَيْ يَتْرُكْ " قَوْلَ الزُّورِ " أَيِ الْبَاطِلَ وَهُوَ مَا فِيهِ إِثْمٌ، وَالْإِضَافَةُ بَيَانِيَّةٌ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الزُّورُ الْكَذِبُ وَالْبُهْتَانُ، أَيْ مَنْ لَمْ يَتْرُكِ الْقَوْلَ الْبَاطِلَ مِنْ قَوْلِ الْكُفْرِ وَشَهَادَةِ الزُّورِ وَالِافْتِرَاءِ وَالْغِيبَةِ وَالْبُهْتَانِ وَالْقَذْفِ وَالسَّبِّ وَالشَّتْمِ وَاللَّعْنِ وَأَمْثَالِهَا مِمَّا يَجِبُ عَلَى الْإِنْسَانِ اجْتِنَابُهَا وَيَحْرُمُ عَلَيْهِ ارْتِكَابُهَا " وَالْعَمَلَ " بِالنَّصْبِ " بِهِ " أَيْ بِالزُّورِ يَعْنِي الْفَوَاحِشَ مِنَ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهَا فِي الْإِثْمِ كَالزُّورِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: هُوَ الْعَمَلُ بِمُقْتَضَاهُ مِنَ الْفَوَاحِشِ وَمَا نَهَى اللَّهُ عَنْهُ " فَلَيْسَ لِلَّهِ حَاجَةٌ " أَيِ الْتِفَاتٌ وَمُبَالَاةٌ، وَهُوَ مَجَازٌ عَنْ عَدَمِ الْقَبُولِ يَنْفِي السَّبَبَ وَإِرَادَةَ نَفْيِ الْمُسَبِّبِ " فِي أَنْ يَدَعَ " أَيْ يَتْرُكَ " طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ " فَإِنَّهُمَا مُبَاحَانِ فِي الْجُمْلَةِ، فَإِذَا تَرَكَهُمَا وَارْتَكَبَ أَمْرًا حَرَامًا مِنْ أَصْلِهِ اسْتَحَقَّ الْمَقْتَ، وَعَدَمَ قَبُولِ طَاعَتِهِ فِي الْوَقْتِ، فَإِنَّ الْمَطْلُوبَ مِنْهُ تَرْكُ الْمَعَاصِي مُطْلَقًا لَا تَرْكًا دُونَ تَرْكٍ، وَكَأَنَّ هَذَا مَأْخَذُ مَنْ قَالَ: إِنَّ التَّوْبَةَ عَنْ بَعْضِ الْمَعَاصِي غَيْرُ صَحِيحَةٍ، وَالصَّحِيحَةُ حِصَّتُهَا كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي مَحَلِّهَا بِنَاءً عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ الصِّحَّةِ وَالْقَبُولِ، فَإِنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ عَدَمِ الْقَبُولِ عَدَمُ الصِّحَّةِ بِخِلَافِ الْعَكْسِ، قَالَ الْقَاضِي: الْمَقْصُودُ مِنَ الصَّوْمِ كَسْرُ الشَّهْوَةِ وَتَطْوِيعُ الْأَمَّارَةِ، فَإِذَا لَمْ يَحْصُلُ مِنْهُ ذَلِكَ لَمْ يُبَالِ بِصَوْمِهِ، وَلَمْ يَنْظُرْ إِلَيْهِ نَظَرَ عِنَايَةٍ، فَعَدَمُ الْحَاجَةِ عِبَارَةٌ عَنْ عَدَمِ الِالْتِفَاتِ وَالْقَبُولِ، وَكَيْفَ يُلْتَفَتُ إِلَيْهِ وَالْحَالُ أَنَّهُ تَرَكَ مَا يُبَاحُ مِنْ غَيْرِ زَمَانِ الصَّوْمِ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَارْتَكَبَ مَا يَحْرُمُ عَلَيْهِ فِي كُلِّ زَمَانٍ؟ قَالَ الطِّيبِيُّ: وَفِي الْحَدِيثِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْكَذِبَ وَالزُّورَ أَصْلُ الْفَوَاحِشِ، وَمَعْدِنُ الْمَنَاهِي، بَلْ قَرِينُ الشِّرْكِ، قَالَ - تَعَالَى - {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ} [الحج: ٣٠] وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الشِّرْكَ وَالزُّورَ مُضَادٌّ لِلْإِخْلَاصِ، وَالصَّوْمُ بِالِاخْتِصَاصِ فَيَرْتَفِعُ بِمَا يُضَادُّهُ (رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ) وَفِي مَعْنَاهُ حَدِيثُ الْحَاكِمِ الَّذِي صَحَّحَهُ: " «لَيْسَ الصِّيَامُ مِنَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فَقَطْ إِنَّمَا الصِّيَامُ مِنَ اللَّغْوِ وَالرَّفَثِ» "، وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنْ يَتَأَكَّدَ اجْتِنَابُ الْمَعَاصِي عَلَى الصَّائِمِ كَمَا قِيلَ فِي الْحَجِّ، لَكِنْ لَا يَبْطُلُ ثَوَابُهُ مِنْ أَصْلِهِ بَلْ كَمَالُهُ، فَلَهُ ثَوَابُ الصَّوْمِ وَإِثْمُ الْمَعْصِيَةِ، وَأَمَّا مَا نَقَلَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنِ الشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ مِنْ أَنَّهُ يَبْطُلُ بِذَلِكَ ثَوَابُهُ مِنْ أَصْلِهِ فَيَحْتَاجُ إِلَى دَلِيلٍ مُعَيَّنٍ، وَعَلِيلٍ مُبِينٍ، وَأَمَّا قَوْلُ ابْنِ حَجَرٍ: يَتَأَكَّدُ عَلَى الصَّائِمِ أَيْ مِنْ حَيْثُ الصَّوْمُ فَلَا يُنَافِي كَوْنُهُ وَاجِبًا مِنْ جِهَةٍ أُخْرَى أَنْ يَكُفَّ لِسَانَهُ وَسَائِرَ جَوَارِحِهِ مِنَ الْمُبَاحَاتِ، وَآكَدُ مِنْ ذَلِكَ كَفُّ مَا ذُكِرَ عَنِ الْمَعَاصِي بِأَسْرِهَا فَغَيْرُ صَحِيحٍ، إِذِ الْإِجْمَاعُ قَائِمٌ عَلَى أَنَّ الْكَفَّ عَنِ الْمُبَاحَاتِ غَيْرُ وَاجِبٍ، بَلْ قَوْلُهُ يُكْرَهُ لَهُ شَمُّ الرَّيَاحِينِ وَالنَّظَرُ إِلَيْهَا وَلَمْسُهَا مُحْتَاجٌ إِلَى نَهْيٍ وَارِدٍ مَقْصُودٍ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>