[بَابُ الْمَبْعَثِ وَبَدْءِ الْوَحْيِ]
هَذَا مِنْ بَابِ مَا قَالَهُ أَرْبَابُ الْهِدَايَةِ: مِنْ أَنَّ النِّهَايَةَ هِيَ الرُّجُوعُ إِلَى الْبِدَايَةِ، فَنَقُولُ: الْبَابُ أَصْلُهُ الْبَوَبُ قُلِبَتِ الْوَاوُ أَلِفًا لِتَحَرُّكِهَا وَانْفِتَاحِ مَا قَبْلَهَا، وَيُجْمَعُ عَلَى أَبْوَابٍ، وَقَدْ قَالُوا: أَبْوِبَةٌ ذَكَرَهُ الْعَيْنِيُّ، وَالْمُرَادُ هُنَا نَوْعٌ مِنَ الْكَلَامِ الْمُشْتَمِلِ عَلَيْهِ جِنْسُ الْكِتَابِ الْمَجْمُوعِ لِأَفْرَادِ الْأَنْوَاعِ، كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي تَعْلِيقِي لِأَوَّلِ بَابِ كِتَابِ الْبُخَارِيِّ فِي بَيَانِ الْإِعْرَابِ بِدُونِ الْإِغْرَابِ، ثُمَّ الْمَبْعَثُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ بِمَعْنَى الْبَعْثِ مِنْ بَعَثَ إِذَا أَرْسَلَ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ فَالْمُرَادُ بِهِ أَنَّهُ مَصْدَرٌ مِيمِيٌّ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِهِ مَعْرِفَةُ زَمَانِ الْبَعْثِ وَمَكَانِهِ، كَمَا نَبَّهَ عَلَيْهِ أَوَّلَ الْحَدِيثِ مِنَ الْفَصْلِ الْأَوَّلِ، ثُمَّ الْبَدْءُ بِمُوَحَّدَةٍ مَفْتُوحَةٍ فَدَالٍ سَاكِنَةٍ فَهَمْزٍ بِمَعْنَى الِابْتِدَاءِ، قِيلَ: وَيُرْوَى بُدُوٌّ كَظُهُورٍ وَزْنًا وَمَعْنًى، وَهَلِ الْأَحْسَنُ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ يَجْمَعُ الْمَعْنَيَيْنِ، أَوِ الثَّانِي لِأَنَّهُ أَعَمُّ؟ رَأْيَانِ. قُلْتُ: إِنَّمَا مَحَلُّهُ قَوْلُ الْبُخَارِيِّ: كَيْفَ كَانَ بَدْءُ الْوَحْيِ؛ فَإِنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاحْتِمَالَيْنِ، كَمَا أَوْضَحْنَاهُ فِي مَحَلِّهِ، وَأَمَّا مَا نَحْنُ فِيهِ فَلَا يُسَاعِدُ الرَّسْمَ الثَّانِي، فَإِنَّهُ يُكْتَبُ بِالْيَاءِ هُنَا بِخِلَافِ مَا فِي الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ يُكْتَبُ فِيهِ بِالْوَاوِ فَتَأَمَّلْ وَلَا تَمِلْ.
وَيُؤَيِّدُهُ مَا قُلْنَا أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ الْعَسْقَلَانِيُّ فِي فَتْحِ الْبَارِي، قَالَ عِيَاضٌ: رُوِيَ الْبَدْءُ بِالْهَمْزِ وَسُكُونِ الدَّالِ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَبِغَيْرِ هَمْزٍ مَعَ ضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْوَاوِ مِنَ الظُّهُورِ. قُلْتُ: وَلَمْ أَرَهُ مَضْبُوطًا فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ الَّتِي اتَّصَلَتْ بِنَا إِلَّا أَنَّهُ وَقَعَ فِي بَعْضِهَا: كَيْفَ كَانَ ابْتِدَاءُ الْوَحْيِ؛ فَهَذَا يُرَجِّحُ الْأَوَّلَ وَهُوَ الَّذِي سَمِعْنَاهُ مِنْ أَفْوَاهِ الْمَشَايِخِ، وَقَدِ اسْتَعْمَلَ الْمُصَنِّفُ - يَعْنِي الْبُخَارِيَّ - هَذِهِ الْعِبَارَةَ كَثِيرًا، كَبَدْءِ الْحَيْضِ، وَبَدْءِ الْأَذَانِ، وَبَدْءِ الْخَلْقِ، وَالْوَحْيُ لُغَةً الْإِعْلَامُ فِي خَفَاءٍ، وَقِيلَ: أَصْلُهُ التَّفْهِيمُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ} [النحل: ٦٨] وَشَرْعًا هُوَ الْإِعْلَامُ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute