[بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٦٠٥٦ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: « (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً إِذْ أَعْيَا، فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا، إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ. فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ!) . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَمَا هُمَا ثَمَّ. وَقَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ فِي غَنَمٍ لَهُ إِذْ عَدَا الذِّئْبُ عَلَى شَاةٍ مِنْهَا، فَأَخَذَهَا، فَأَدْرَكَهَا صَاحِبُهَا، فَاسْتَنْقَذَهَا، فَقَالَ لَهُ الذِّئْبُ: فَمَنْ لَهَا يَوْمَ السَّبْعِ، يَوْمَ لَا رَاعِيَ لَهَا غَيْرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبْحَانَ اللَّهِ ذِئْبٌ يَتَكَلَّمُ! ، فَقَالَ أُومِنُ بِهِ أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) وَمَا هُمَا ثَمَّ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
[٥] بَابُ مَنَاقِبِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا
٦٠٥٦ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: (بَيْنَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً) أَيْ: يَدْفَعُهَا مِنْ وَرَائِهَا (إِذْ أَعْيَا) : بِفَتْحِ الْهَمْزِ وَفِي نُسْخَةٍ صَحِيحَةٍ: إِذْ عَيِيَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَكَسْرِ الْيَاءِ الْأُولَى أَيْ تَعِبَ الرَّجُلُ مِنَ الْمَشْيِ (فَرَكِبَهَا، فَقَالَتْ: إِنَّا) أَيْ: جِنْسَ الْبَقَرِ (لَمْ نُخْلَقْ لِهَذَا) أَيْ: لِلرُّكُوبِ (إِنَّمَا خُلِقْنَا لِحِرَاثَةِ الْأَرْضِ) : بِفَتْحِ الْحَاءِ أَيْ إِثَارَتِهَا لِزِرَاعَتِهَا، وَفِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ رُكُوبَ الْبَقَرِ وَالْحَمْلَ عَلَيْهَا غَيْرُ مَرْضِيٍّ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ الْمَلَكِ، فَالْحَصْرُ إِضَافِيٌّ لِتَأْكِيدِ مَا قَبْلَهُ. وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ: اسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى أَنَّ الدَّوَابَّ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا جَرَتِ الْعَادَةُ بِاسْتِعْمَالِهَا فِيهِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً إِلَى تَعْظِيمِ مَا خُلِقَتْ لِأَجْلِهِ، وَلَمْ يَرِدِ الْحَصْرُ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُرَادٍ اتِّفَاقًا، لِأَنَّ مِنْ جُمْلَةِ مَا خُلِقَتْ لَهُ أَنْ تُذْبَحَ وَتُؤْكَلَ بِالِاتِّفَاقِ. قُلْتُ: لَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ يُفِيدُ نَفْيَ جَوَازِ رُكُوبِ الْبَقَرِ، لَا سِيَّمَا وَقَدْ قَرَّرَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَنَا وَلَيْسَ الْكَلَامُ فِي ذَبْحِهَا وَأَكْلِهَا لِأَنَّهُمَا مَعْلُومَانِ مِنَ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ فَهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ شَرْعًا وَعُرْفًا. (فَقَالَ النَّاسُ) أَيِ: الْحَاضِرُونَ (سُبْحَانَ اللَّهِ) أَيْ: تَعَجُّبًا (بَقَرَةٌ تَكَلَّمُ) بِضَمِّ الْمِيمِ مُضَارِعٌ حُذِفَ مِنْهُ إِحْدَى التَّاءَيْنِ أَيِ الْبَقَرَةُ تَتَكَلَّمُ، وَالْحَالُ أَنَّهَا مِنَ الْحَيَوَانَاتِ الصَّامِتَةِ. (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: (فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ) : جَزَاءُ شَرْطٍ مَحْذُوفٍ أَيْ: فَإِنْ كَانَ النَّاسُ يَسْتَغْرِبُونَهُ وَيَتَعَجَّبُونَ مِنْهُ فَإِنِّي لَا أَسْتَغْرِبُهُ وَأُومِنُ بِهِ (أَنَا وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ) : قَالَ شَارِحٌ: عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَكِنِّ فِي أُومِنُ وَأَنَا تَأْكِيدٌ لَهُ.
وَقَالَ الطِّيبِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَإِنْ قُلْتَ: مَا فَائِدَةُ ذِكْرِ أَنَا وَعَطْفِ مَا بَعْدَهُ عَلَيْهِ، وَهَذَا عَطْفٌ عَلَى الْمُسْتَتِرِ فِي أُومِنُ مُسْتَغْنِيًا عَنْهُ بِالْجَارِّ وَالْمَجْرُورِ؟ قُلْتُ: لَوْ لَمْ يَذْكُرْ أَنَا لَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ وَأَبُو بَكْرٍ عَطْفًا عَلَى مَحَلِّ إِنَّ وَاسْمِهَا، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ فَلَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى التَّأْكِيدِ، وَتَكُونُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ وَارِدَةً عَلَى التَّبَعِيَّةِ وَلَا كَذَلِكَ فِي هَذِهِ الصُّورَةِ يَعْنِي فِي زِيَادَةِ أَنَا فَإِنَّهُ يُفِيدُ حِينَئِذٍ الِاشْتِرَاكَ. (وَمَا هُمَا ثَمَّ) . بِفَتْحِ الْمُثَلَّثَةِ وَتَشْدِيدِ الْمِيمِ أَيْ: وَلَيْسَ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ فِي الْمَكَانِ الَّذِي قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيهِ الْكَلَامَ الْمَذْكُورَ، وَفِي رِوَايَةِ التِّرْمِذِيِّ: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ، ثُمَّ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَمَا هُمَا فِي الْقَوْمِ يَوْمَئِذٍ. قَالَ التُّورِبِشْتِيُّ: إِنَّمَا أَرَادَ بِذَلِكَ تَخْصِيصَهُمَا بِالتَّصْدِيقِ الَّذِي بَلَغَ عَيْنَ الْيَقِينِ، وَكُوشِفَ صَاحِبُهُ بِالْحَقِيقَةِ الَّتِي لَيْسَ وَرَاءَهَا لِلتَّعَجُّبِ مَجَالٌ. قَالَ ابْنُ الْمَلَكِ، قَوْلُهُ: بِهِ أَيْ أُصَدِّقُ أَنَا بِمَا أَخْبَرَنِي بِهِ الْمَلَكُ مِنْ تَكَلُّمِ الْبَقَرَةِ، وَأَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ لِقُوَّةِ إِيمَانِهِمَا بِمَا أَخْبَرْتُ. قَالَ ابْنُ حَجَرٍ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ أَخْبَرَهُمَا بِهِ فَصَدَّقَاهُ، أَوْ أَطْلَقَ ذَلِكَ لِمَا اطَّلَعَ عَلَيْهِ مِنْ أَنَّهُمَا يُصَدِّقَانِ بِذَلِكَ وَلَا يَتَرَدَّدَانِ فِيهِ اهـ. وَالْأَخِيرُ هُوَ الصَّحِيحُ لِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ مَقَامُ الْمَدْحِ، وَكَمَا يُشْعِرُ إِلَيْهِ قَوْلُ الرَّاوِي: وَمَا هُمَا ثَمَّ، وَإِلَّا فَكُلُّ مُؤْمِنٍ يُصَدِّقُ النَّبِيَّ فِيمَا أَخْبَرَهُ بِهِ، فَلَا بُدَّ مِنْ وَجْهٍ يُمَيِّزُهُمَا عَنْ غَيْرِهِمَا، كَمَا يُشِيرُ إِلَيْهِ مُشَارَكَتُهُمَا فِي الْإِيمَانِ الْمَنْسُوبِ إِلَيْهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute