[بَابُ الْجِزْيَةِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٠٣٥ - عَنْ بَجَالَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: كُنْتُ كَاتِبًا لِجَزْءِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَمِّ الْأَحْنَفِ، فَأَتَانَا كِتَابُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَبْلَ مَوْتِهِ بِسَنَةٍ: فَرِّقُوا بَيْنَ كُلِّ ذِي مَحْرَمٍ مِنَ الْمَجُوسِ. وَلَمْ يَكُنْ عُمَرُ أَخَذَ الْجِزْيَةَ مِنَ الْمَجُوسِ حَتَّى شَهِدَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَهَا مِنْ مَجُوسِ هَجَرَ. رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
وَذَكَرَ حَدِيثَ بُرَيْدَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، إِذَا أَمَّرَ أَمِيرًا عَلَى جَيْشٍ فِي " بَابِ الْكِتَابِ إِلَى الْكُفَّارِ ".
ــ
بَابُ الْجِزْيَةِ
قَالَ الرَّاغِبُ: الْجِزْيَةُ مَا يُؤْخَذُ مِنْ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَسْمِيَتُهَا بِذَلِكَ لِلِاجْتِزَاءِ بِهَا فِي حَقْنِ دَمِهِمْ. قَالَ تَعَالَى: {حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ} [التوبة: ٢٩] أَيْ: ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ مُنْقَادُونَ. وَفِي الْهِدَايَةِ: لَوْ بَعَثَ بِهَا عَلَى يَدِ نَائِبِهِ لَا يُقْبَلُ مِنْهُ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَاتِ، بَلْ يُكَلَّفُ أَنْ يَأْتِيَ بِهَا نَفْسُهُ فَيُعْطِيَ قَائِمًا، وَالْقَابِضُ جَالِسٌ وَفِي رِوَايَةٍ: يَأْخُذُهُ بِتَلَابِيبِهِ وَهُوَ مَا يَلِي صَدْرَهُ مِنْ ثِيَابِهِ، وَيَقُولُ: أَعْطِ الْجِزْيَةَ يَا ذِمِّيُّ. قَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْجِزْيَةُ فِي اللُّغَةِ الْجَزَاءُ وَإِنَّمَا بُنِيَتْ عَلَى فِعْلَةٍ لِلدَّلَالَةِ عَلَى هَيْئَةِ الْإِذْلَالِ عِنْدَ الْإِعْطَاءِ، وَهُوَ عَلَى ضَرْبَيْنِ: جِزْيَةٌ تُوضَعُ بِالتَّرَاضِي وَالصُّلْحِ عَلَيْهَا فَتَتَقَدَّرُ بِحَسَبِ مَا عَلَيْهِ الِاتِّفَاقُ، فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنِ الْغَدْرِ، وَأَصْلُهُ صُلْحُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ، وَهُمْ قَوْمٌ مِنْ نَصَارَى بِقُرْبِ الْيَمَنِ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ فِي الْعَامِ، عَلَى مَا فِي أَبِي دَاوُدَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ: «صَالَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَهْلَ نَجْرَانَ عَلَى أَلْفَيْ حُلَّةٍ. النِّصْفُ فِي صِفْرٍ، وَالنِّصْفُ فِي رَجَبٍ» اهـ.
وَالْحُلَّةُ: ثَوْبَانِ إِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَفِي رِوَايَةٍ: كُلُّ حُلَّةٍ أُوقِيَةٌ بِمَعْنَى قِيمَتُهَا أُوقِيَةٌ. وَصَالَحَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ نَصَارَى بَنِي تَغْلِبَ عَلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ كُلٍّ مِنْهُمْ ضِعْفَ مَا يُؤْخَذُ مِنْ مُسْلِمٍ مِنَ الْمَالِ الْوَاجِبِ، وَالضَّرْبُ الثَّالِثُ جِزْيَةٌ يَبْتَدِئُ الْإِمَامُ بِتَوْظِيفِهَا إِذَا غَالَبَ عَلَى الْكُفَّارِ، فَفَتَحَ بِلَادَهُمْ وَأَقَرَّهُمْ عَلَى أَمْلَاكِهِمْ، فَهَذِهِ مُقَدَّرَةٌ بِقَدْرٍ مَعْلُومٍ شَاءُوا، أَوْ أَبَوْا، رَضُوا، أَوْ لَمْ يَرْضَوْا، فَيَضَعُ عَلَى الْغَنِيِّ فِي سَنَةٍ ثَمَانِيَةً وَأَرْبَعِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ أَرْبَعَةُ دَرَاهِمَ، وَعَلَى الْمُتَوَسِّطِ أَرْبَعَةً وَعِشْرِينَ دِرْهَمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمَيْنِ، وَعَلَى الْفَقِيرِ الْمُعْتَمِلِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهْمًا فِي كُلِّ شَهْرٍ دِرْهَمٍا وَاحِدًا، وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُمَاكِسَهُمْ حَتَّى يَأْخُذَ مِنَ الْمُتَوَسِّطِ دِينَارَيْنِ، وَمِنَ الْغَنِيِّ أَرْبَعَةَ دَنَانِيرَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يُوضَعُ عَلَى كُلِّ حَالِمٍ أَيْ: بَالِغٍ دِينَارًا، أَوِ اثْنَيْ عَشَرَ دِرْهَمًا. وَقَالَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute