للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

[بَابُ وُجُوبِهَا]

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٣٧٠ - وَعَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّهُمَا قَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ: " «لِيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ عَنْ وَدْعِهِمُ الْجُمُعَاتِ، أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ، ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ» ". رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

ــ

[٤٣] بَابُ وُجُوبِهَا

أَيِ: الْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى وُجُوبِهَا وَفَرْضِيَّتِهَا. فِي شَرْحِ السُّنَّةِ: الْجُمُعَةُ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ عِنْدَ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهَا مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَاتِ نَقَلَهُ الطِّيبِيُّ، وَقَالَ ابْنُ الْهُمَامِ: الْجُمُعَةُ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَالْإِجْمَاعِ، وَقَدْ صَرَّحَ أَصْحَابُنَا بِأَنَّهُ فَرَضٌ آكَدُ مِنَ الظُّهْرِ، وَبِإِكْفَارِ جَاحِدِهَا اهـ، وَقَالَ فِي كِتَابِ الرَّحْمَةِ فِي اخْتِلَافِ الْأُمَّةِ: اتَّفَقَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ الْجُمُعَةَ فَرْضٌ عَلَى الْأَعْيَانِ، وَغَلَّطُوا مَنْ قَالَ: هِيَ فَرْضُ كِفَايَةٍ.

الْفَصْلُ الْأَوَّلُ

١٣٧٠ - (عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ) : (أَنَّهُمَا قَالَا: سَمِعْنَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ) ، أَيْ: دَرَجَاتِهِ، أَوْ مُتَّكِئًا عَلَى أَعْوَادِ مِنْبَرِهِ فِي الْمَدِينَةِ، وَذَكَرَهُ لِلدَّلَالَةِ عَلَى كَمَالِ التَّذْكِيرِ، وَلِلْإِشَارَةِ إِلَى اشْتِهَارِ هَذَا الْحَدِيثِ، (" لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ ") : قِيلَ: اللَّامُ لِلِابْتِدَاءِ، وَهُوَ جَوَابُ الْقَسَمِ، وَيَجِيءُ الْبَحْثُ فِيهِ فِي بَابِ الْمُفَاخَرَةِ مُسْتَوْفًى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الطِّيبِيُّ. (" عَنْ وَدْعِهُمُ ") : بِفَتْحِ الْوَاوِ وَسُكُونِ الدَّالِ، وَتَقَدَّمَ أَنَّ فِي وَصْلِ نَحْوِ هَذِهِ الْكَلِمَةِ إِلَى مَا بَعْدَهُ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ. (" الْجُمُعَاتِ ") ، أَيْ: عَنْ تَرْكِهِمْ إِيَّاهَا وَالتَّخَلُّفِ عَنْهَا. مِنْ وَدَعَ الشَّيْءَ يَدَعُهُ وَدْعًا إِذَا تَرَكَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ، وَقَالَ الطِّيبِيُّ: وَالنُّحَاةُ يَقُولُونَ: إِنَّ الْعَرَبَ أَمَاتُوا مَاضِيَ (يَدَعُ) وَمَصْدَرَهُ، وَاسْتَغْنَوْا عَنْهُ بِتَرَكَ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَفْصَحُ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا يُحْمَلُ قَوْلُهُمْ عَلَى قِلَّةِ اسْتِعْمَالِهَا فَهُوَ شَاذٌّ فِي الِاسْتِعْمَالِ صَحِيحٌ فِي الْقِيَاسِ اهـ.

وَقَدْ جَاءَ فِي قِرَاءَةٍ شَاذَّةٍ {مَا وَدَعَكَ رَبُّكَ} [الضحى: ٣] بِتَخْفِيفِ الدَّالِ، وَأَيْضًا يُرَدُّ عَلَى الصَّرْفِيِّينَ حَيْثُ قَالُوا: وَحَذْفُ الْوَاوِ فِي يَدَعُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَحْذُوفَ وَاوٌ لَا يَاءٌ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ يَاءً لَمَا حُذِفَ، فَكَأَنَّهُمْ مَا تَشَرَّفُوا بِمَعْرِفَةِ الْقِرَاءَةِ وَالْحَدِيثِ، وَلِهَذَا قَالَ التُّورْبَشْتِيُّ مِنْ أَئِمَّتِنَا أَنَّهُ لَا عِبْرَةَ بِمَا قَالَ النُّحَاةُ، فَإِنَّ قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ الْحُجَّةُ الْقَاضِيَةُ عَلَى كُلِّ ذِي لَهْجَةٍ وَفَصَاحَةٍ. (" أَوْ لَيَخْتِمَنَّ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ ") ، أَيْ: لَيَمْنَعَنَّهُمْ لُطْفَهُ وَفَضْلَهُ، وَالْخَتْمُ الطَّبْعُ ' وَمِثْلُهُ الرَّيْنُ، قَالَ عِيَاضٌ: وَقَدِ اخْتَلَفَ الْمُتَكَلِّمُونَ فِي هَذَا اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَقِيلَ: هُوَ إِعْدَامُ اللُّطْفِ وَأَسْبَابِ الْخَيْرِ، وَقِيلَ: هُوَ خَلْقُ الْكُفْرِ فِي صُدُورِهِمْ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ مُتَكَلِّمِي أَهْلِ السُّنَّةِ نَقَلَهُ مِيرَكُ عَنِ التَّصْحِيحِ. (" ثُمَّ لَيَكُونُنَّ مِنَ الْغَافِلِينَ ") ، أَيْ: مَعْدُودِينَ مِنْ جُمْلَتِهِمْ، قَالَ الطِّيبِيُّ: (ثُمَّ) لِتَرَاخِي الرُّتْبَةِ فَإِنَّ كَوْنَهُمْ مِنْ جُمْلَةِ الْغَافِلِينَ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِمْ بِالْغَفْلَةِ أَدْعَى لِشَقَائِهِمْ، وَأَنْطَقُ لِخُسْرَانِهِمْ مِنْ مُطْلَقِ كَوْنِهِمْ مَخْتُومًا عَلَيْهِمْ، قَالَ الْقَاضِي: وَالْمَعْنَى أَنَّ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ كَائِنٌ لَا مَحَالَةَ، إِمَّا الِانْتِهَاءُ عَنْ تَرْكِ الْجُمُعَاتِ، وَإِمَّا خَتْمُ اللَّهِ عَلَى قُلُوبِهِمْ، فَإِنَّ اعْتِيَادَ تَرْكِ الْجُمُعَةِ يُغَلِّبُ الرَّيْنَ عَلَى الْقَلْبِ، وَيُزَهِّدُ النُّفُوسَ فِي الطَّاعَةِ، وَذَلِكَ يُؤَدِّي بِهِمْ إِلَى أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْغَافِلِينَ (رَوَاهُ مُسْلِمٌ) : وَابْنُ مَاجَهْ وَغَيْرُهُمَا، قَالَهُ مِيرَكُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>