[بَابُ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٤٥٧٦ - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: " «لَا طِيَرَةَ، وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ " قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: (الْكَلِمَةُ الصَّالِحَةُ يَسْمَعُهَا أَحَدُكُمْ) » . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.
ــ
(١) بَابُ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ
الْفَأْلُ: بِالْهَمْزِ وَأَكْثَرُ اسْتِعْمَالِهِ بِالْإِبْدَالِ، وَفِي النِّهَايَةِ: الْفَأْلُ مَهْمُوزٌ فِيمَا يَسُرُّ وَيَسُوءُ، وَالطِّيَرَةُ بِكَسْرِ الطَّاءِ وَفَتْحِ الْيَاءِ وَقَدْ تَسْكُنُ لَا تَكُونُ إِلَّا فِيمَا يَسُوءُ، وَرُبَّمَا اسْتُعْمِلَتْ فِيمَا يَسُرُّ. وَفِي الْقَامُوسِ: الْفَأْلُ ضِدُّ الطِّيَرَةِ كَأَنْ يَسْمَعَ مَرِيضٌ يَا سَالِمُ، أَوْ طَالِبٌ يَا وَاجِدُ، أَوْ يُسْتَعْمَلُ فِي الْخَيْرِ وَالشَّرِّ، وَالطِّيَرَةُ مَا يُتَشَاءَمُ بِهِ مِنَ الْفَأْلِ الرَّدِيءِ. قُلْتُ: الْمُسْتَفَادُ مِنَ الْقَامُوسِ أَنَّ الْفَأْلَ مُخْتَصٌّ بِالْخَيْرِ، وَقَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي الشَّرِّ، وَالطِّيَرَةُ لَا تُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِي الشَّرِّ فَهُمَا ضِدَّانِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، وَالْمَفْهُومُ مِنَ النِّهَايَةِ أَنَّ الْفَأْلَ أَعَمٌّ مِنَ الطِّيَرَةِ فِي أَصْلِ الْوَضْعِ، وَمُتَرَادِفَانِ فِي بَعْضِ الِاسْتِعْمَالِ، وَالْمَفْهُومُ مِنَ الْأَحَادِيثِ أَنَّ الطِّيَرَةَ أَعَمٌّ مِنَ الْفَأْلِ، مِنْهَا ظَاهِرُ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا سَيَأْتِي: " «لَا طِيَرَةَ وَخَيْرُهَا الْفَأْلُ» " وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا أَعَمُّ أَيْضًا مَأْخَذُ اشْتِقَاقِهِ مِنْ أَنَّ الطِّيَرَةَ مَصْدَرُ تَطَيَّرَ، يُقَالُ: تَطَيَّرَ طِيَرَةً وَتَخَيَّرَ خِيَرَةً، وَلَمْ يَجِئْ مِنَ الْمَصَادِرِ، هَكَذَا غَيْرُهُمَا، وَأَصْلُهُ فِيمَا يُقَالُ: التَّطَيُّرُ بِالسَّوَانِحِ وَالْبَوَارِحِ مِنَ الطَّيْرِ وَالظِّبَاءِ وَغَيْرِهِمَا، وَكَانَ ذَلِكَ يَصُدُّهُمْ عَنْ مَقَاصِدِهِمْ، فَنَفَاهُ الشَّرْعُ وَأَبْطَلَهُ وَنَهَاهُمْ عَنْهُ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ تَأْثِيرٌ مِنْ جَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ.
وَقَالَ شَارِحٌ: لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالطِّيَرَةِ وَهِيَ التَّفَاؤُلُ بِالطَّيْرِ وَالتَّشَاؤُمُ بِهَا، قَالُوا يَجْعَلُونَ الْعِبْرَةَ فِي ذَلِكَ تَارَةً بِالْأَسْمَاءِ، وَتَارَةً بِالْأَصْوَاتِ، وَتَارَةً بِالسُّفُوحِ وَالْبُرُوحُ، وَكَانُوا يُهَيِّجُونَهَا مِنْ أَمَاكِنِهَا لِذَلِكَ، ثُمَّ الْبَارِحُ هُوَ الصَّيْدُ الَّذِي يَمُرُّ عَلَى مَيَامِنِكَ إِلَى مَيَاسِرِكَ، وَالسَّانِحُ عَكْسُ ذَلِكَ، وَهَذَا مَا ظَهَرَ لِي فِي هَذَا الْمَقَامِ مِنَ التَّحْقِيقِ وَاللَّهُ وَلِيُّ التَّوْفِيقِ. وَقَالَ الطِّيبِيُّ: الْفَرْقُ بَيْنَ الْفَأْلِ وَالطِّيَرَةِ يُفْهَمُ مِمَّا رَوَى أَنَسٌ مَرْفُوعًا أَنَّهُ قَالَ: " «لَا عَدْوَى وَلَا طِيَرَةَ وَيُعْجِبُنِي الْفَأْلُ " قَالُوا: وَمَا الْفَأْلُ؟ قَالَ: " كَلِمَةٌ طَيِّبَةٌ» قُلْتُ: وَمَا أَحْسَنَ هَذَا الْمَقَالَ حَيْثُ نَفَى الطِّيَرَةَ بِعُمُومِهَا، وَاخْتَارَ فَرْدًا خَاصًّا مِنْ أَحَدِ نَوْعَيْهَا وَهِيَ الْكَلِمَةُ الطَّيِّبَةُ.
٤٥٧٦ - (عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: (لَا طِيَرَةَ) أَيْ لَا عِبْرَةَ بِالتَّطَيُّرِ تَشَاؤُمًا وَتَفَاؤُلًا (وَخَيْرُهَا) : أَيْ خَيْرُ أَنْوَاعِ الطِّيَرَةِ بِالْمَعْنَى اللُّغَوِيِّ الْأَعَمِّ مِنَ الْمَأْخَذِ الْأَصْلِيِّ. (الْفَأْلُ) : أَيِ الْفَأْلُ الْحَسَنُ بِالْكَلِمَةِ الطَّيِّبَةِ لَا الْمَأْخُوذُ مِنَ الطِّيَرَةِ، وَلَعَلَّ شَارِحًا أَرَادَ دَفْعَ هَذَا الْإِشْكَالِ فَقَالَ: أَيِ الْفَأْلُ خَيْرٌ مِنَ الطِّيَرَةِ اهـ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute