[بَابُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ]
الْفَصْلُ الْأَوَّلُ
٥٠٠٣ - عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " «الْأَرْوَاحُ جُنُودٌ مُجَنَّدَةٌ، فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا ائْتَلَفَ، وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا اخْتَلَفَ» ". رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.
ــ
[١٦] بَابُ الْحُبِّ فِي اللَّهِ وَمِنَ اللَّهِ
الْحُبُّ فِي اللَّهِ أَيْ: فِي ذَاتِ اللَّهِ وَجِهَتِهِ لَا يَشُوبُهُ الرِّيَاءُ وَالْهَوَى، وَمِنَ اللَّهِ أَيْ: مِنْ جِهَةِ اللَّهِ أَيْ: إِذَا أَحَبَّ عَبْدًا أَحَبَّهُ لِأَجْلِ اللَّهِ وَسَبَبِهِ، وَمِنْ هَاهُنَا كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ} [المائدة: ٨٣] وَفِي كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا} [العنكبوت: ٦٩] وَهُوَ أَبْلَغُ مِنْ حَيْثُ جَعَلَ الْمَحَبَّةَ مَظْرُوفًا، كَذَا حَقَّقَهُ الطِّيبِيُّ، وَفِيهِ أَنَّ مَآلَهُمَا إِلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَهُ عُنْوَانُ الْبَابِ فَضِيلَةُ الْحُبِّ لِلَّهِ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنَ الْحُبِّ مِنْ جَانِبِ اللَّهِ، كَمَا سَيُصَرِّحُ الْأَحَادِيثُ الْآتِيَةُ بِهَذَا الْمَعْنَى، فَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: إِنَّ (فِي) تَعْلِيلِيَّةٌ وَ (مِنَ) ابْتِدَائِيَّةٌ، وَالْمَعْنَى حُبُّ الْعَبْدِ الْعَبْدَ لِأَجْلِ رِضَا الرَّبِّ، وَالْحُبُّ الْكَائِنُ مِنَ اللَّهِ لِلْعَبْدِ، وَالثَّانِي نَتِيجَةُ الْأَوَّلِ، كَمَا فِي الشَّرِيعَةِ، أَوْ مُقَدِّمَةٌ لَهُ كَمَا فِي الطَّرِيقَةِ، أَوْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِهِمَا، كَمَا فِي الْحَقِيقَةِ عَلَى مَا حُقِّقَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ} [المائدة: ٥٤] وَقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} [آل عمران: ٣١] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
٥٠٠٣ - (عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْأَرْوَاحُ» ) أَيْ: أَرْوَاحُ الْإِنْسَانِ (جُنُودٌ) : جَمْعُ جُنْدٍ أَيْ: جُمُوعٌ (مُجَنَّدَةٌ) : بِفَتْحِ النُّونِ الْمُشَدَّدَةِ أَيْ: مُجْتَمِعَةٌ مُتَقَابِلَةٌ، أَوْ مُخْتَلِطَةٌ مِنْهَا: حِزْبُ اللَّهِ " {أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢] " وَمِنْهَا حِزْبُ الشَّيْطَانِ " {أَلَا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} [المجادلة: ١٩] " وَفِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ جُنُودُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الفتح: ٤] إِشَارَةٌ إِلَى الْجُنْدَيْنِ حَيْثُ أَحَدُهُمَا عُلْوِيُّ الْهِمَّةِ، وَالْآخَرُ سُفْلِيُّ الْهِمَّةِ. (فَمَا تَعَارَفَ مِنْهَا) : التَّعَارُفُ جَرَيَانُ الْمَعْرِفَةِ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَالتَّنَاكُرُ ضِدُّهُ أَيْ: فَمَا تَعْرِفُ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ قَبْلَ حُلُولِهَا فِي الْأَبْدَانِ (ائْتَلَفَ) : بِهَمْزَةِ وَصْلٍ، ثُمَّ هَمْزَةٍ سَاكِنَةٍ تُبْدَلُ أَلِفًا فِي الْوَصْلِ جَوَازًا، وَتُبَدَلُ يَاءً حَالَ الِابْتِدَاءِ وُجُوبًا أَيْ: حَصَلَ بَيْنَهُمَا الْأُلْفَةُ وَالرَّأْفَةُ حَالَ اجْتِمَاعِهِمَا بِالْأَجْسَادِ فِي الدُّنْيَا (وَمَا تَنَاكَرَ مِنْهَا) أَيْ: فِي عَالَمِ الْأَرْوَاحِ (اخْتَلَفَ) أَيْ: فِي عَالَمِ الْأَشْبَاحِ، وَالْإِفْرَادُ وَالتَّذْكِيرُ فِي الْفِعْلَيْنِ بِاعْتِبَارِ لَفْظِ مَا، وَالْمُرَادُ مِنْهُ بِطَرِيقِ الْإِجْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحَالِ أَنَّ الْأَرْوَاحَ الْبَشَرِيَّةَ الَّتِي هِيَ النُّفُوسُ النَّاطِقَةُ مَجْبُولَةٌ عَلَى مَرَاتِبَ مُخْتَلِفَةٍ وَشَوَاكِلَ مُتَبَايِنَةٍ، وَكُلُّ مَا شَاكَلَ مِنْهَا فِي عَالَمِ الْأَمْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute